اسمه وكنيته ونسبه (1)
أبو إسحاق، المختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي.
ولادته
ولد(رضي الله عنه) عام ۱ﻫ بالطائف.
نشأته
«نشأ(رضي الله عنه) مقداماً شجاعاً يتعاطى معالي الأُمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها، وهمّة تعلو على الفراقد بنفاستها، وحدس مصيب، وكفّ في الحروب مجيب، مارس التجارب فحنّكته، ولابس الخطوب فهذّبته»(۲).
من أقوال الأئمّة (عليهم السلام) فيه
۱ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام) للحكم ابن المختار: «رحم الله أباك، رحم الله أباك، ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلّا طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا»(۳).
۲ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام): «لا تسبّوا المختار؛ فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة»(۴).
۳ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام): «ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين(عليه السلام)»(۵).
۴ـ قال عمر بن علي بن الحسين: «إنّ علي بن الحسين(عليهما السلام) لمّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد، فخرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً»(۶).
سجنه
تُعرف في المختار شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، وتُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدّي أحياناً، وهذا أشدّ ما تخشاه السلطات الأُموية، فألقت القبض عليه، وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة.
وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيات المعارضة، والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع.
وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بميثم التمّار ـ هذا المؤمن الصالح الذي أخذ علومه من الإمام علي(عليه السلام) ـ فيبشّره بقوله: «إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام)، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ـ أي ابن زياد ـ وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه(۷).
ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله، وإذا برسالة من يزيد بن معاوية تصل إلى ابن زياد يأمره فيها بإخراج المختار من السجن، وذلك أنّ أُخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب بإخراج المختار.
ثورته
أوجدت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ردود فعل كبيرة في صفوف الأُمّة الإسلامية، فتوالت الحركات الثورية مقاومة التسلّط البغيض للزمرة الظالمة الأُموية، وعلى إضعافها.
فحدثت ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صُرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة الفزاري بالكوفة، ورفعوا شعار التوبة والتكفير لتخلّفهم عن نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ وقعت ثورة المختار الثقفي تحت شعار: «يا لثارات الحسين».
فأخذ المختار يقتل كلّ مَن اشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل الكوفة.
حرقه لحرملة
قال المنهال: «دخلت على علي بن الحسين(عليهما السلام) منصرفي من مكّة، فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة.قال: فرفع يديه جميعاً، ثمّ قال(عليه السلام): اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان لي صديقاً، فكنت في منزلي أيّاماً حتّى انقطع الناس عنّي، وركبت إليه، فلقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه، ولم تهنئنا بها، ولم تشركنا فيها؟ فأعلمته أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن، وسايرته ونحن نتحدّث حتّى أتى الكناس، فوقف وقوفاً كأنّه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة بن كاهل، فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، وقوم يشتدّون، حتّى قالوا: أيّها الأمير البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل، فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار، قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثمّ قال: الجزّار الجزّار.
فأُتي بجزّار، فقال له: اقطع يديه. فقطعتا، ثمّ قال له: اقطع رجليه. فقطعتا، ثمّ قال: النار النار. فأُتي بنار وقصب، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار، فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لحسن ففيم سبّحت؟ فقلت: أيّها الأمير، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على علي بن الحسين(عليهما السلام)، فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً، فقال: اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ الحديد، اللّهم أذقه حرّ النار.
فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول هذا؟ فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا. قال: فنزل عن دابّته، وصلّى ركعتين، فأطال السجود، ثمّ قال: فركب وقد احترق حرملة»(۸).
إرساله جيشاً لمقاتلة عبيد الله بن زياد
«شيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً ـ بعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد ـ، فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله، فقال: إنّي لأحتسب الأجر في خطاي معك، وأحبُّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمّد(صلى الله عليه وآله)، ثمّ ودّعه وانصرف.
فسار ابن الأشتر إلى المدائن، ثمّ سار يريد ابن زياد… ثمّ نزل ابن الأشتر نهر الخازر بالموصل، أقبل ابن زياد في الجموع… ثمّ التقوا فحضّ ابن الأشتر أصحابه وقال: يا أهل الحقّ وأنصار الدين، هذا ابن زياد قاتل الحسين بن علي وأهل بيته(عليهم السلام)، قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا، ونادى أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة…ثمّ حمل ابن الأشتر عشياً فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمّة وقد قتل عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع… وأعيان أصحابه… .
وبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد وأعيان مَن كان معه، فقدّم بالرؤوس والمختار يتغدّى، فأُلقيت بين يديه، فقال: الحمد لله ربّ العالمين! وضع رأس الحسين بن علي(عليهما السلام) بين يدي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدّى… .
فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بها إلى مولىً له وقال: اغسلها فإنّي وضعتها على وجه نجس كافر… .
وبعث برأس ابن زياد… إلى محمّد بن الحنفية بمكّة… وقدموا بالكتاب والرؤوس عليه، فبعث ـ أي محمّد ابن الحنفية ـ إلى علي بن الحسين(عليهما السلام) فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال علي بن الحسين(عليهما السلام): «أُدخلت على ابن زياد ـ أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ـ وهو يتغدّى، ورأسُ أبي بين يديه، فقلت: اللّهم لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي»(۹).
اقرأ ايضا:
ثورة المختار الثقفي .. ماذا قال أمير المؤمنين عليه السلام عن المختار الثقفي؟
قتله لعمر بن سعد
«كان المختار قد سُئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فأمنه على أن لا يخرج من الكوفة، فإن خرج منها هدر دمه.
قال: فأتى لعمر بن سعد رجل فقال: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، والله ما أحسبه غيرك! قال: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً فدخل داره… فجاء حفص بن عمر بن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبو حفص: أنزلنا بالذي كان بيننا وبينك.
قال: اجلس، فدعا المختار أبا عمرة، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فساره، ودعا برجلين فقال: اذهبا معه، فذهب فوالله ما أحسبه بلغ دار عمر بن سعد حتّى جاء برأسه، فقال المختار لحفص: أتعرف هذا؟ فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، نعم. قال: يا أبا عمرة، ألحقه به؟ فقتله. فقال المختار: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء»(۱۰).
من أولاده
أبو محمّد، الحكم، وثّقه الشيخ الطوسي(قدس سره)، وهو من رواة وأصحاب الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)(۱۱).
شهادته
استُشهد(رضي الله عنه) في 14 شهر رمضان ۶۷ﻫ، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للانتقام من المختار، ودُفن بجوار مرقد مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وقبره معروف يُزار.
زيارته
«السلام عليك أيّها العبد الصالح، السلام عليك أيّها الولي الناصح، السلام عليك يا أبا اسحاق المختار، السلام عليك أيّها الآخذ بالثار، المحارب للكفرة الفجّار، السلام عليك أيّها المخلص لله في طاعته، ولزين العابدين(عليه السلام) في محبّته، السلام عليك يا مَن رضي عند النبي المختار، وقسيم الجنّة والنار، وكاشف الكرب والغمّة، قائماً مقاماً لم يصل إليه أحد من الأُمّة، السلام عليك يا مَن بذل نفسه في رضاء الأئمّة في نصرة العترة الطاهرين، والأخذ بثأرهم من العصابة الملعونة الفاجرة، فجزاك الله عن النبي(صلى الله عليه وآله) ومن أهل بيته(عليهم السلام)»(۱۲).
——————————-
1- اُنظر: معجم رجال الحديث ۱۹ /۱۰۲ رقم۱۲۱۸۵٫
2- اُنظر: ذوب النضار في شرح الثار: 61
3- رجال الكشّي 1 /340 ح199
4- المصدر السابق 1 /340 ح197
5- المصدر السابق 1 /341 ح201
6- المصدر السابق 1 /341 ح203
7- شرح نهج البلاغة 2 /293
8- الصحيفة السجّادية: 141 الدعاء71
9- الأمالي للطوسي: 240 ح424
10- المصدر السابق:243 ح424
11- اُنظر: رجال الطوسي: 131 رقم1334
12- المزار للشهيد الأوّل: 284