بقلم سيد أحمد الخضر
قبل سنوات قاده البحث عن الحقيقة إلى اعتناق الإسلام، وكان يؤدي الصلوات وحده في بيته ويعتقد أنه المسلم الوحيد في العاصمة الكوبية هافانا.
لكن الزمن لم يطل كثيرا بسليمان حتى أدى صلاة الجمعة مع مئات المسلمين في وسط هافانا، وحينها أيقن أن الإسلام لم يعد غريبا في قلعة الشيوعية.
تشير المصادر التاريخية إلى أن كوبا تعرّفت على المسلمين قبل ستة قرون، إذ جلب لها الإسبان أرقاء من الموريسكيين الأندلسيين عام 1593.
وفي الحقب التالية جذبت ثروة السكر في كوبا تجارا مسلمين من منطقة الشرق الأوسط فطاب لهم المقام في هافانا وضواحي سانتياغو دي كوبا، لكنهم تخلوا عن دينهم مع مرور الوقت، فلم يكن للإسلام أي أثر في كوبا طيلة القرون الماضية.
وحتى مطلع الألفية الثالثة، كان عدد المسلمين في العاصمة هافانا يقدر بنحو 500 شخص لا يجرؤون على التعبير عن معتقدهم في ظل اعتناق أكثرية السكان للمسيحية وتبني الحكومة الفكر الشيوعي الذي لا يقيم وزنا للدين.
ولكن الأمور شهدت تغيرا لم يكن متوقعا عام 2005، فقد ضرب زلزال مدمر منطقة كشمير الباكستانية وخلف 87 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى.
وعلى إثر هذه الكارثة خصصت هافانا ألف منحة دراسية للطلبة الباكستانيين لدراسة الطب، ومن يومها بدأت قصة تعرّف الكوبيين على الإسلام.
الطريق إلى الله
ووفق تقارير عديدة فإن طلبة الطب الباكستانيين كان لديهم تأثير قوي في المجتمع الكوبي، وتمكنوا من دخول البيوت وأقنعوا كثيرين باعتناق الإسلام.
وفي حديث للجزيرة الإنجليزية، يحكي حسن أنه ولد في "فرويلان رييس" وتربى على قيم النظام الكوبي، ولم يتلق تعليما دينيا في تنشئته، ولم يحدث أن دخل أي كنيسة.
وعندما قدم الطلاب الباكستانيون إلى كوبا، أتاحت له ظروف عمله القرب منهم، وتابع مواظبتهم على الصلاة وقراءة القرآن، وما لبث أن أحبهم بفعل معاملتهم له بالحسنى، فدخل معهم في نقاشات حول الإسلام.
وبعد سبعة أشهر من صحبتهم، اكتشف أن الإسلام الحقيقي يختلف عما يتحدث عنه الكوبيون، فنطق الشهادتين وانخرط مباشرة في الدعوة إلى الله.
يقول حسن "إن الله أنار لي الطريق من خلال سلوكهم (الطلبة الباكستانيين)، فأدركت أن الإسلام هو السلام.. لقد منحني الله الفرصة لفهم ذلك".
وبينما كان عدد المسلمين في هافانا لا يتجاوز 500 مطلع الألفية الثالثة، تشير تقديرات 2018 إلى أن هناك قرابة 7000 مسلم، أكثريتهم من الكوبيين الأصليين الذين قرورا ترك دياناتهم. ووفق رابطة مسلمي كوبا، فإن هذا الرقم يتضمن 1200 امرأة.
رغم ذلك، ما يزال المجتمع المسلم صغيرا جدا في كوبا، إذ يمثل قرابة 0.07% من مجموع السكان البالغ تعدادهم 11 مليونا يعتنق 65% منهم المسيحية، وحوالي 13% منهم يدينون بالسانتيريا، وهي ديانة تعود جذورها لغرب أفريقيا. وهناك أقليات من البوذيين والبهائيين واليهود.
ومن المعروف أن قائد الثورة الكوبية الراحل فيدال كاسترو كان ملحدا ويرفض أي دور للدين في الحياة العامة، لكن الحكومة أكدت في الأعوام الأخيرة احترامها لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية.
وبينما تشهد هافانا انفتاحا نسبيا في عدة مجالات، تبدي وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بتزايد أعداد المسلمين الكوبيين حيث تضاعف عددهم 14 مرة في أقل من عشرين عاما.
الحجاب في هافانا
وفي الأسبوع الماضي أعدت وكالة رويترز تقريرا عن مظاهر ارتداء المسلمات الكوبيات للحجاب في شوارع العاصمة هافانا، قائلة إنهن يتزايدن باستمرار.
ويتحدث التقرير عن صعوبات كثيرة من بينها ندرة الطعام الحلال ووجود مسجد واحد في هافانا، "ولكن ذلك لم يثن هؤلاء الكوبيات عن اعتناق الإسلام".
ومن أهم أسباب دخول الكوبيات في الإسلام "الإلهام الروحي الذاتي والفضول الديني، وبعضهن تأثرن بكونهن زوجات لرجال مسلمين".
وتروي الصحفية مريم كاميجو أنها اعتنقت الإسلام قبل سبع سنوات، وتلاحظ تزايد إقبال الكوبيات على الإسلام وخصوصا الشابات منهن.
وحاليا تنخرط كاميجو في الأنشطة الإسلامية الاجتماعية وتدرّس العربية والقرآن في المسجد الوحيد بهافانا الذي افتتح رسميا عام 2015.
وأقيم هذا المسجد في ساحة تابعة لمتحف عربي بمنطقة هافانا القديمة، بتعاون بين الحكومتين الكوبية والسعودية، بينما تفيد التقارير بأن الوقف التركي يعمل على بناء مسجد في كوبا على طراز مساجد إسطنبول.
أبو دجانة يتحدث
ومثل مريم كاميجو، اعتنق الشاعر والكاتب أي تامايو الإسلام عام 2010، بعدما سجل حضورا مرموقا في المشهد الأدبي وحصدت رواياته وكتبه عددا من الجوائز والتقديرات.
الشاعر أي تامايو الذي سمى نفسه أبو دجانة، يرأس حاليا "الجمعية الكوبية للتعريف بالإسلام"، وتحدث مؤخرا لصحيفة "هافانا تايمز" عما سماها العراقيل التي تضعها الحكومة أمام انتشار الإسلام في البلاد.
وتحت عنوان "حديث مع مسلم كوبي"، سلطت الصحيفة الضوء على تزايد معتنقي الإسلام في الجزيرة الشيوعية، والتحديات التي تواجههم ونظرة الناس لهم.
يقول أبو دجانة "الحمد الله.. نتواجد في كل إقليم وفي جزيرة لاغوفنتود.. بعض إخوتنا وأخواتنا سافروا خارج كوبا للدراسة في البلدان الإسلامية، وآخرون زاروا الأماكن المقدسة في السعودية.. بدأ كل هذا (النشاط) بعدما أسسنا الجمعية الكوبية للتعريف بالإسلام عام 2012".
لكن أبو دجانة غير راض عن تعامل حكومة هافانا مع المجتمع المسلم الناشئ، ويرى أنها تسعى للحيلولة دون انتشار الإسلام عبر "الرابطة الإسلامية" رغم أنها تحمل شعار خدمة المسلمين.
ورغم فرح الكثير من مسلمي كوبا بافتتاح مسجد "عبد الله" عام 2015، فإن أبو دجانة يرى أنه لا يوجد في كوبا ما يمكن أن يسمى مسجدا، لأن وظيفة المسجد الأولى هي "العمل لصالح الإسلام والمسلمين وأن يكون بيتا لله".
ويضيف أن "المسجد هو المكان الذين لا يجوز أن يتعرض فيه الإسلام وأتباعه للهجوم والأذى.. لا يجوز أن يتولى أعداء الإسلام بناء المسجد، ولا أن يكون مكانا لتمجيد الأشخاص وسياسات وأيدولوجيات النظام".
ووفق الأديب الوافد على الإسلام، فإن هافانا تطبق عمليا أساليب "محاكم التفتيش"، ولكن هذه الأساليب تبدو كأنها مجرد بيروقراطية وإجراءات قانونية، على حد قوله.
وفي ختام حديثه مع "هافانا تايمز"، اختار أبو دجانة أن يذكّر الحكومة بأن المثقف الكوبي البارز خوسيه مارتي يقول إن "المجتمعات غير المتدينة مهددة بالزوال، لأنه لا شيء يشجعها على الفضيلة التي تضمنها العدالة السماوية بينما يسيء لها الظلم الإنساني".
قصص ومواقف
وللتغلب على غياب المساجد، خصص جمال وحسن وشابانا وآخرون غرفا في بيوتهم يؤدي فيها المسلمون الصلاة جماعة، بينما تسمح الحكومة للمسلمين بأداء صلاة العيد في بعض الساحات العامة.
وإلى جانب قصة سليمان الذي اعتقد لفترة أنه المسلم الوحيد في هافانا، هناك قصص كثيرة حول هذا المجتمع الذي يواجه مصاعب كثيرة، ولكنها لا تزيده إلا إصرارا ويقينا بأنه يسير على المحجة البيضاء.
وفي حديث لموقع "غراوند تروث بروجكت"، تروي أسكور أورين أن جهة العمل أبلغتها بأنه لا يحق لها مواصلة التدريس ما دامت ترتدي الحجاب.
ولاحقا، أخبروها بأن عليها أن تترك العمل نهائيا، وعندما استفسرت عن السبب، كان الرد "أنت مسلمة وتغطين رأسك.. لا يمكنك العمل في كوبا".
لكن أوردين التي اعتنقت الإسلام قبل عامين تمكنت من استعادة وظيفتها بعدما هددت بنقل القضية إلى المحاكم.
أما يوسف علي فيروي أنه يتعرض لمضايقات كثيرة أثناء عمله في المنازل، "فعندما أرفض تناول لحم الخنزير يسألونني عما إذا كنت مريضا، وإذا أخبرتهم أن السبب هو أنني مسلم، واجهوني بالقول: أليس المسلمون عنيفين وإرهابيين؟!". ورغم ذلك فإن علي وأوردين يعتقدان أن معظم الكوبيين يرحبون بالمسلمين.
ويبدو خورخي ميغيل غارسيا أكثر تعايشا مع واقعه كمسلم في دولة شيوعية، فهو شريك في ملكية مقهى بسانتياغو ويستضيف المسلمين وغيرهم، ولكنه لا يقدم الكحول للزبائن.
غارسيا الذي كان يعمل في السابق طبيبا شرعيا سمى نفسه خالد بعدما اعتنق الإسلام، بينما لا تزال زوجته ذات العشرين عاما تدين بالمعمودية البروتستانتية.
المصدر : الجزيرة .نت