مولد الاقمار الشعبانية... (2) من كرم أبي عبدالله الحسين (ع)

الأربعاء 17 مارس 2021 - 06:31 بتوقيت غرينتش
مولد الاقمار الشعبانية... (2) من كرم أبي عبدالله الحسين (ع)

أهل البيت-الكوثر: في مثل هذا اليوم، الثالث من شعبان الخير والبركة، ذكرى مولد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، نزف أجمل التهاني والتبريكات الى الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) والى مراجع الدين وقائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي، وعلى عموم المسلمين في هذه الذكرى المباركة. وسوف نتناول في هذه الحلقة كرم وسخاء سبط رسول الله (ص) الامام الحسين (ع).

جاء في مناقب آل الرسول (ص) لمحمد بن أبي طلحة الشّافعي: انه قد اشتهر عن الحسين أنّه كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب، ويصل الرَّحم، ويعطي الفقير، ويسعف السائل، ويكسو العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم، ويشفق على اليتيم، ويعين أصحاب الحاجات، وقلّما وصله مال إلا فرَّقه.

وما رواه عمرو بن دينار قال: دخل الحسين بن علي (ع) على أسامة بن زيد (وهو من الذين لم يبايعوا الامام علي (ع) بالخلافة) وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه !

فقال له الحسين (ع): "وما غمّك يا أسامة؟".

فقال: دَيني، وهو ستّون ألف درهم.

 فقال الحسين (ع): "هو علَيّ".

فقال: إنّي أخشى أنْ أموت.

فقال الحسين (ع): "لنْ تموت حتّى أقضيها عنك".

قال: فقضاها قبل موته.

********

جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأل الامام الحسين حاجةً .

فقال ( عليه السَّلام ): يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة ، و ارفع حاجتك في رقعة ، فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله  .

فكتب الأنصاري :- يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار ، و قد ألح بي فكلِّمه يُنْظِرَني إلى ميسرة .

فلما قرأ الحسين (ع) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار ، وقال ( عليه السَّلام ) له : " أما خمسمائة فاقض بها دَينك ، و أما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ، و لا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة : إلى ذي دِينٍ ، أو مروءة ، أو حسب ، فأما ذو الدِينِ فيصون دِينه ، و أما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته ، و أما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك ، فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك "

*********

ووفد أعرابي إلى المدينة، فسأل عن أكرم النّاس بها، فدُلّ على الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فدخل المسجد فوجده يصلّي، فوقف بإزائه وأنشأ يقول:

      لمْ يَخبِ الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ      حرَّكَ من دون بابِك الحلَقهْ

      أنت جوادٌ وأنت مُعتَمَدٌ              أبوك قدْ كان قاتلَ الفسَقهْ

      لولا الّذي كان منْ أوائِلكُمْ         كانتْ علينا الجَحيمُ مُنطبقهْ

                        *********************

فسلّم الامام الحسين (ع)، وقال: "يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟"، قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال (ع): "هاتها، قد جاء مَن هو أحقّ بها منّا". ثمّ نزع بردته، ولفّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب؛ حياءً من الأعرابي، وأنشأ يقول:

       خُذْها فإنّي إليك معتذرٌ          واعلَمْ بأنّي عليك ذو شَفَقهْ

       لو كان في سَيرنا عصاً تمد   أمستْ سمانا عليكَ مُندفِقهْ

       لكنَّ ريبَ الزّمان ذو غِيرٍ          والكفُّ منّي قليلةُ النّفَقهْ

                       **********************

فأخذها الأعرابي وبكى. فقال له الحسين (ع): "لعلّك استقللت ما أعطيناك؟". قال: لا، ولكن كيف يأكل التّراب جودك؟!

*********

وممّا جاء في كرم الحسين (ع)، أنّ أعرابياً جاءه فقال: يابن رسول الله، قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها، فقلت في نفسي: أسأل أكرم النَّاس، وما رأيت أكرم من آل محمّد (ص). فقال (ع): "أسألك عن ثلاث مسائل؛ فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ". فقال الأعرابي: يابن رسول الله، أمثلك يسأل مثلي، وأنت من أهل العلم والشّرف؟! فقال الحسين (ع): "بلى، سمعت جدّي رسول الله (ص) يقول: المعروف بقدر المعرفة". فقال الأعرابي: سلْ عمّا بدا لك، فإنْ أجبت، وإلّا تعلّمت منك. فقال الحسين (ع): "أيّ الأعمال أفضل؟". فقال الأعرابي: الإيمان بالله. فقال الحسين (ع): "فما النجاة من المهلكة؟". فقال الأعرابي: الثقة بالله. فقال الحسين (ع): "فما يزيّن الرّجل؟". فقال الأعرابي: علم معه حلم. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: مال معه مروءة. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فقر معه صبر. فقال الحسين (ع): "فإنْ أخطأه ذلك؟". فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السّماء فتحرقه؛ فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (ع)، ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم، وقال الحسين (ع): "يا أعرابي، أعط الذّهب غرماءك، واصرف الخاتم في نفقتك". فأخذ الأعرابي المال، وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

*********

ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب، أنّه لـمّا التقى مع الحُرّ بن يزيد - وكان مع الحرّ زهاء ألف فارس - وكان الحسين (ع) في سَحر ذلك اليوم، أمر فتيانه أنْ يستقوا من الماء ويكثروا، ففعلوا. ووقف الحرّ وخيله مقابل الحسين (ع) في حَرّ الظهيرة، فقال الحسين (ع) لفتيانه: "اسقوا القوم وارووهم من الماء، وارشفوا الخيل ترشيفاً"، أي أسقوها قليلاً. وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فاذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها عن آخرها.

********                    

وكان الامام الحسين (ع) يقول: ((شرّ خصال الملوك؛ الجُبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عن الإعطاء )).

ووُجِد على ظهر الامام الحسين (ع) يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك، فقال: (هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين).

* * *

إقرأ أيضا:  مولد الاقمار الشعبانية... (1) الامام الحسين (ع) مدرسة للأجيال

وقد اجاد الشاعر الشيخ محسن ابو الحب في قصيدته بذكرى مولد سبط الرسول (ص) الامام الحسين (ح)

        سـبـط الـنـبي أبـو الأئـمة   ...   مـن لـلـخلائق جاء رحمه

        هـذا الـحسين ومـن بساق   ...   الـعـرش خــطّ الله إسـمـه

        وبــقـلـب كــــل مــوحــد   ...   قـد صـوّر الرحمن رسمه

        هـــــذا  ســلـيـل مــحـمـد   ...   لبني الولا كهفٌ وعصمه

        هـذا ابـن بنت المصطفى   ...   مـولـى لــه شـأن وحـرمه

        مــن أهــل بـيـت زانـهـم   ...   كــرم  ومـعروف وحشمه

        فــي شـهر شـعبان عـلينا   ...   الــخـيــرَ خـالـقـنـا أتــمّـه

        ولـــد الـحـسـين ونـــوره   ...   مـذ شـعّ أذهـب كل ظلمه

        جــبــريـل  هــنّــأ جــــدّه   ...   وأبـــاه والــزهـراء أمــه