بقلم: الشيخ جواد أمين
لقد ركّزت أساليب الفكر الحديثة لحفظ القرآن الكريم على ضرورة الملائمة بين أساليب الحفظ المتعدّدة، والتي يتمتّع من خلالها كل أسلوب بخصائصه مع ما يتوافق من الخصائص النفسية والمعنوية عند الحافظ، فكما أنّ لدينا مجموعة من الأساليب، هناك أيضاً مجموعة من الأنماط الحاكمة في الأشخاص الذين يريدون الدخول في ميادين الحفظ، فكل شخص لديه إمكانات مختلفة عن الآخر من حيث استعداده وذوقه وسليقته الشخصية وخبرته العملية، وفي التالي علينا الأخذ بعين الاعتبار أنّ لكل شخص أسلوبه الخاص في حفظ القرآن الكريم.
ومن هنا تأتي أهمية ابتكار الأساليب الحركية المتوافقة والمسانخة لنفسية الحافظ وذهنيته وإمكانيته، وذلك بغية الوصول إلى بناء جيل حافظ معتمد على الطرق الفكرية الحديثة في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال: لو أردنا تقديم صورة من صور هذه الأساليب ولتكن على أساس الحفظ التجزيئي بمستوى صفحات أو سور أو أجزاء من القرآن، ثمّ ننتقل إلى مستوى آخر يجمع لنا هذه المحفوظات، ولنطلق عليه الحفظ التركيبي، ليكون شكل الأسلوب هذا عبارة عن تسلسل لنقاط هي كالتالي:
أوّلاً ـ التوضيح العملي الهندسي:
1-تقسيم كل صفحة من المصحف الشريف إلى: ثلاث آيات، ثلاث آيات.
2- تقسيم كل سورة إلى: ثلاث صفحات، ثلاث صفحات.
3-تقسيم كل جزء إلى: ثلاث سور ثلاث سور (الجزء 30 نموذجاً.)
مثال تطبيقي لكيفية تقسيم الصفحة
ولبيان كيفية تقسيم الصفحة وبيان هذا الأسلوب أكثر، نعتمد على اختيار نموذج تطبيقي وليكن الصفحة 573 من القرآن الكريم؛ حيث تتضمّن هذه الصفحة 15 آية من الآية 14 إلى 28 من المصاحف المكتوبة بخط (عثمان طه.)
نقوم بعملية تقسيمها إلى خمسة أقسام؛ كل قسم ثلاث آيات، ويبدأ الحافظ بحفظ هذه الآيات، كل قسم على حدة، وفق ما يضمن التركيز في الحفظ وتثبيته.
وإذا كان لدينا سورة من القرآن وعلى سبيل الفرض: سورة (يس) المباركة، حيث إنّ هذه السورة يهتمّ بحفظها كل المؤمنين لما لها من خاصيات وردت ضمن الروايات المباركة، لهذا اخترتها كي تكون نموذجاً تطبيقياً يستفيد منه أكبر شريحة ممكنة. تحتوي هذه السورة المباركة حدود ست صفحات نقسّمها إلى قسمين؛ كل قسم ثلاث صفحات، وحينما يكون لدينا جزء من القرآن مثل الجزء 28 فيه 9 سور يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام؛ كل قسم ثلاث سور، وبعد ذلك يجب حفظ آيات كل قسم وبشكل منفصل وتجزيئي للآيات التي بعدها وقبلها. وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ حفظ الآيات ينبغي أن يكون حفظاً متّسقاً؛ بمعنى أنّ الحافظ عليه حفظ آية آية، ثمّ بعد ذلك يقوم بترسيخ الآيات وتثبيتها واحدة واحدة، وسورة سورة، وجزءاً جزءاً في الذاكرة الدائمة، ثمّ نقوم بعملية الربط التركيبي مرّة أخرى بحيث نستوعب حفظ الآيات مع الآيات التي قبلها والتي بعدها وبشكل تركيبي محكم، لتُحفظ وتترسّخ الآيات السابقة مع اللاحقة وبشكل كلّي ونهائي.
يتبع....
المصدر: دار السيدة رقية للقرآن الكريم