يتناول الحديث في الآية الأولى حادثتين مهمتين:
أحدهما: قرب وقوع يوم القيامة، والذي يقترن بأعظم تغيير في عالم الخلق، وبداية لحياة جديدة في عالم آخر، ذلك العالم الذي يقصر فكرنا عن إدراكه نتيجة محدودية علمنا واستيعابنا للمعرفة الكونية.
والحادثة الثانية التي تتحدث الآية الكريمة عنها هي معجزة انشقاق القمر العظيمة التي تدلل على قدرة البارئ عز وجل المطلقة، وكذلك تدل - أيضا - على صدق دعوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر
وجدير بالذكر أن سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة، ((أزفت الآزفة) الآية 57)) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضا، مما يؤكد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنه عندما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضح هذا المفهوم، حينما نتصور مجموع عمر عالمنا هذا من جهة، ومن جهة أخرى عندما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فإنها لا تكون سوى لحظة واحدة.
إن اقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة: " انشقاق القمر واقتراب الساعة " دليل على قرب وقوع يوم القيامة، كما ذكر ذلك قسم من المفسرين حيث أن ظهور الرسول الأكرم (ص) - وهو آخر الأنبياء - قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود... قال رسول الله (ص): (بعثت أنا والساعة كهاتين) مشيرا إلى إصبعيه الكريمين.
قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله (ص) فقالوا: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فلقتين، فقال لهم رسول الله (ص): إن فعلت تؤمنون؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ربه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فلقتين ورسول الله ينادي: يا فلان يا فلان، اشهدوا.
ولعل التساؤل يثار هنا عن كيفية حصول هذه الظاهرة الكونية: (انشقاق هذا الجرم السماوي العظيم) وعن مدى تأثيره على الكرة الأرضية والمنظومة الشمسية، وكذلك عن طبيعة القوة الجاذبة التي أعادت فلقتي القمر إلى وضعهما السابق، وعن كيفية حصول مثل هذا الحدث؟ ولماذا لم يتطرق التاريخ إلى ذكر شئ عنه؟
والحقيقة أن مسألة " انشقاق القمر " كانت معجزة، والآيات اللاحقة تحمل الدلائل الواضحة على صحة هذا الأمر.
يقول سبحانه: وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر.
والمراد من قوله تعالى " مستمر " أنهم شاهدوا من الرسول الكريم (ص) معجزات عديدة، وشق القمر هو استمرار لهذه المعاجز، وأنهم كانوا يبررون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحق وذلك بقولهم: إن هذه المعاجز كانت " سحر مستمر ".
تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل
سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (41 ).. (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)