وكان أهل البيت (عليهم السلام) ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبي( ص) وجعلهم قادة لاُمته، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في المدينة المنورة في غرة رجب يوم الجمعة سنة ( 57 هـ ) وقيل اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( 56 هـ )، في وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسين (ع) بثلاث سنين وقيل بأربع سنين كما أدلى عليه السلام بذلك وقيل بسنتين وأشهر.
لقد التقت في الامام الباقر (ع) عناصر الشخصيّة من السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، وامتزجت به تلك الاصول الكريمة والاصلاب الشامخة، والارحام المطهَّرة، التي تفرّع منها.
فالأب : هو سيد الساجدين وزين العابدين وألمع سادات المسلمين (ع).
والأم: هي السيدة الزكية الطاهرة فاطمة (س) بنت الإمام الحسن (ع) سيد شباب أهل الجنة، وتكنى أم عبد الله وكانت من سيدات نساء بني هاشم، وكان الإمام زين العابدين (ع) يسميها الصديقة ويقول فيها الإمام أبو عبد الله الصادق (ع): (كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها)، وحسبها سموّاً أنها بضعة من ريحانة رسول الله (ص)، وأنها نشأت (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقر (ع) .
وقد أجريت له فور ولادته (ع) مراسيم الولادة كالاذان والاقامة في اُذنيه وحلق رأسه والتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، والعَقِّ عنه بكبش والتصدّق به على الفقراء.
تسميته:
وسماه جده رسول الله (ص) بمحمد، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين، وكان ذلك من أعلام نبوته، وقد استشف صلى الله عليه وآله من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم واذاعته بين الناس فبشّر به أمته، كما حمل له تحياته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري (رض). وكان جابر ينتظر ولادته بفارغ الصبر ليؤدي اليه رسالة جده، فلما ولد الإمام (ع) وصار صبياً يافعاً التقى به جابر فأدى اليه تحيات النبيّ (ص).
كنيته: (أبو جعفر) ولا كنية له غيرها .
ألقابه الشريفة:
وقد دلّت على ملامح من شخصيته العظيمة وهي : الشبيه (لأنه كان يشبه جده رسول الله (ص)) ، الأمين ، الشاكر ، الهادي ، الصابر ، الشاهد ، الباقر وهذا من اكثر ألقابه ذيوعاً وانتشاراً، وقد لقب هو وولده الإمام الصادق (ع) بــ (الباقرين) كما لقبا بــ(الصادقين) من باب التغليب. ويكاد يجمع المؤرخون والمترجمون للإمام (ع) على أنه إنّما لقب بالباقر لانه بقر العلم أي شقه، وتوسع فيه فعرف أصله وعلم خفيه.
مراحل من حياة الامام:
مرّ الإمام الباقر عليه السلام بمرحلة رافقت الكثير من الأحداث والظواهر في ظلّ جده وأبيه (عليهما السلام) ويمكن تلخيصها بالشكل التالي :-
عاش الإمام الباقر (ع) في ظلّ جدّه الحسين (ع) منذ ولادته وحتى الرابعة من عمره الشريف، عاش في مقتبل عمره ملحمة عاشوراء ومصرع جده وأعمامه وأهل بيته الطاهرين، واُخذ مأسوراً الى طواغيت الكوفة والشام، وشارك سبايا أهل البيت (ع) فيما جرى عليهم من المحن والمصائب الأليمة التي تتصدّع لها القلوب. كما استمع إلى أقوال أبيه السجاد (ع) الساخنة وهو يخاطب الطاغية المتغطرس يزيد في الشام، والتي كان منها قوله (ع): يا يزيد! ومحمد هذا جدي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدّي فِلمَ قتلت عترته ؟ ! !.
وعاصر الإمام الباقر (ع) في سنة ( 63 هـ ) واقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة على حكم الطاغية يزيد وهو في السادسة من عمره الشريف، حيث شاهد نقض أكابر أهل المدينة وفقهائها لبيعة يزيد الفاجر، ورأى مدينة جدّه عندما أباحها يزيد لجيشه الجاهلي ثلاثة أيّام متواليات يقتلون أهلها، وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم.
ومن الظواهر التي عاصرها الإمام محمّد الباقر (ع) وهو في ظلّ أبيه السجّاد (ع) ظاهرة الانحراف السياسي وتتمثل في تحويل الاُمويين للخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويوزّعون فيه المناصب الحكومية على ذويهم وأقاربهم، كما فعل الخليفة (عثمان الأموي) حين وزع ولايات الامصار وجباية الاموال على بني عمومته من بني أمية.
لقد عاش الامام الباقر (ع) محنة عداء الاُمويين للعلويين والذي تمثل في ظاهرة سبّهم لجدّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر طيلة ستة عقود.
ومن الأحداث البارزة في حياة الإمام الباقر (ع) توالي الثورات المسلحة ضد الحكم الاُموي بعد واقعة كربلاء الخالدة.
ففي سنة (63 هـ) ثار أهل المدينة في سنة (65 هـ) ثار التوابون ، وفي سنة (66 هـ) ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي وثار الزبيريون، وفي سنة (77 هـ) ثار المطرّف بن المغيرة بن شعبة، وفي سنة (81 هـ) تمرّد عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على حكومة عبد الملك بن مروان.
استشرى في زمن الامام الباقر (ع) الانحراف الأخلاقي والاجتماعي في أوساط الاُمة، حيث اشتهر يزيد بن معاوية بفسقه، إذ كان يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والقرود ويقضي أوقاته بين المغنّين والمغنّيات، وشاع عنه ذلك وعرفه عامّة الناس. وكان مروان بن الحكم أيضاً فاحشاً بذيئاً، كما كان أولاده وأحفاده على شاكلته. وأشاع الاُمويّون بين المسلمين روح التعصّب فقرّبوا العرب وأبعدوا غير العرب وأثاروا الشعوبية فمزّقوا بذلك وحدة الصف الإسلامي وأثاروا الأحقاد وزرعوا بذور الشر في قلوب أبناء المجتمع الاسلامي .
في الحلقة الثانية سنتناول بأذن الله تعالى النص على إمامة محمد الباقر