قبسات قرآنية (36 )..( ما عندكم ينفد وما عند الله باق...)

الأربعاء 3 فبراير 2021 - 06:56 بتوقيت غرينتش
قبسات قرآنية (36 )..( ما عندكم ينفد وما عند الله باق...)

القرآن الكريم-الكوثر: قال الله العزيز في محكم كتابه الكريم: ﴿وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*** مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاق وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:95- 96﴾.

سبب النزول نقل المفسر الكبير العلامة الطبرسي (قدي سره) عن ابن عباس (رض) قوله: إن رجلا من حضرموت يقال له (عيدان الأشرع) قال: يا رسول الله (ص)، إن (امرأ القيس الكندي) جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها مني، والقوم يعلمون إني لصادق، ولكنه أكرم عليهم مني، فسأل رسول الله (ص) امرأ القيس عنه فقال: لا أدري ما يقول، فأمره أن يحلف. فقال عيدان: إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال الرسول (ص): (إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه)، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزل قوله: (ولا تشتروا بعهد الله... الآيتان)، فلما قرأهما رسول الله (ص) قال امرؤ القيس: أما ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه (من عمل صالحا... الآية).

ثمن الحياة الطيبة:

جاءت الآية الأُولى من هذه الآيات لتؤكّد على قبح نقض العهد مرّة أُخرى ولتبيّن عذراً آخراً من أعذار نقض العهد الواهية، فحيث تطرقت الآيات السابقة إِلى عذر الخوف من كثرة الأعداء تأتي هذه الآية لتطرح ما للمصلحة الشخصية (المادية) من أثر سلبي على حياة الإِنسان.

ولهذا تقول: (ولا تشتروا بعهد اللّه ثمناً قليلا). أيْ إِنّ قيمة الوفاء بعهد اللّه لا تدانيها قيمة، ولو استلمتم زمام ملك الدنيا بأسرها فإِنّه لا يساوي قيمة لحظة واحدة من الوفاء بعهد اللّه.

وتضيف الآية المباركة للدلالة على هذا الأمر: (إِنّما عند اللّه هو خير لكم إِنْ كنتم تعلمون).

ويبيّن القرآن الكريم في الآية التالية سبب الأفضلية بقوله: (ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق) لأنّ المنافع المادية وإِنْ بدت كبيرة في الظاهر، إِلاّ أنّها لا تعدو أنْ تكون فقاعات على سطح ماء، في حين أنّ الجزاء والثواب الإِلهي النابع من ذات اللّه المطلقة والمقدسة أعلى وأفضل من كل شيء.

ثمّ يضيف قائلا: (ولنجزينَّ الذين صبروا أجرهم) ـ وعلى الأخص في الثبات على العهد والأيمان ـ (بأحسن ما كانوا يعملون).

إِنّ التعبير بـ «أحسن» دليل على أنّ أعمالهم الحسنة ليست بدرجة واحدة، فبعضها حسن والبعض الآخر أحسن، ولكنّ اللّه تعالى يجزي الجميع بأحسن ما كانوا يعملون، وهو ذروة اللطف والرحمة الربانية.

ولا تخلو جملة (ولنجزين الذين صبروا...) من الإِشارة إِلى أنّ الصبر والثبات في السير على طريق الطاعة، وخصوصاً حفظ العهود والإِيمان هي من أفضل أعمال الإِنسان.

إقرأ ايضا: قبسات قرآنية (35 )..(سماعون للكذب أكالون للسحت....)

وقد روي عن علي(عليه السلام) قوله: (الصبر من الإِيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إِيمان لا صبر معه).

 (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي)