قبسات قرآنية (30 )..(.. اجتنبوا كثيراً من الظنّ إن بعض الظنّ إثم ..)

الثلاثاء 26 يناير 2021 - 06:05 بتوقيت غرينتش
قبسات قرآنية (30 )..(.. اجتنبوا كثيراً من الظنّ إن بعض الظنّ إثم ..)

القرآن الكريم-الكوثر: قال الله العزيز في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ((الحجرات:12).

اجتناب الظن: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ) الذي يمثل حالة وجدانية منفعلة برؤية خالية من الوضوح، متعلقة بحدث أو بشخص في ما تثيره من انطباعاتٍ فكريةٍ في مجال التقييم، أو من أحكام عملية في مجال السلوك الواقعي، أو في ساحة المسؤولية، دون أن يكون هناك أساسٌ يقينيٌّ يقطع الشك ويبتعد عن الريب.
(إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ) لأن كثيراً من الخواطر التي تخطر بالبال، أو التي تبدو على سطح الأحداث، أو تتحرك بها بعض المعطيات غير الدقيقة أو غير الموثوقة، لا تتناسب مع طبيعة واقع الحدث أو الشخص، لأن أيّة حالةٍ غير يقينية، لا بد من أن تحمل الكثير من الأخطاء والأوهام التي لا ترجع إلى قاعدة صواب، ما يجعل الاعتماد عليها اعتماداً على الباطل، وهو خطيئة في طبيعته أو في آثاره، الأمر الذي يستلزم اجتناب كثير من الظنون التي لا يعرف فيها وجه الحق، في ما يتميز به الحق عن الباطل، حتى لا يقع الناس في الظنون الباطلة، ويبقى أن يلاحق الفكر الظنّ بالبحث والاستقصاء للوصول إلى النتيجة الحاسمة التي تطلّ على الحقيقة.

وهذه القاعدة تضمن للمجتمع استقراره النفسي، عندما يعيش أفراده الشعور بأنهم لا يواجهون الأحكام أو الانطباعات السلبية البعيدة عن الدقّة من قبل الآخرين، وعندما يتوخى المؤمنون الدقّة في دراسة الحيثيات الموثوقة، في ما يحكمون به على الناس أو ما يحملونه من انطباعاتٍ عنهم.
وقد جاء في الأحاديث المأثورة التأكيد على حمل المؤمن على الأحسن أمام ظنّ السوء، وذلك للإيحاء بالجانب الإيجابي من شخصيته، بدلاً من الاستغراق في الجانب السلبي الذي يوحي بالاتهام أو الحكم بالسوء.
ولعلنا نحتاج إلى التوضيح بأن ذلك لا يعني الحكم على أساس الجانب الإيجابي الذي لا يقين فيه، بل المقصود توجيه النظر إلى الجانب الإيجابيّ كاحتمالٍ معقولٍ يمنع عن الحكم المرتكز على الظن.
وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص): (اطلب لأخيك عذرا، فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا).
وكما ورد في الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في ما رواه عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا)، ما يوحي بأن الاحتمال الواحد في المائة لا بد من أن يوقف المؤمن عن الحكم بنسبة التسعة والتسعين بالمائة، فلعل الحق في الواحد، ولكن ليس معنى ذلك أن يكون المؤمن ساذجاً لا يحذر من الاحتمالات المضادة.
وعنه (عليه السلام): (لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها في الخير محتملا).
وعنه (عليه السلام): (من عرف من أخيه وثيقة دين وسداد طريق فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال، أما أنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام).
وورد في نهج البلاغة عن الإمام علي (عليه السلام): (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله، ثم أساء رجلٌ الظَّنَّ برجل لم تظهر منه حَوْبة، فقد ظَلَمْ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله، فأحسن رجل الظَّنَّ برجل، فقد غرَّر).

إقرأ ايضا: قبسات قرآنية (29 )..(وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ...)

ونختم حديثنا عن حسن الظن وسوئه بأبيات لأبي الطيب المتنبي:
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه       وصدّق ما يعتاده من توهمِ
وعادى محبّيه بقول عداته              وأصبحَ في ليلٍ من الشك مُظلمِ
أصادق نفس المرء من قبل جسمِه     وأعرفها في فعله والتكلمِ
وأحلم عن خلّي وأعلم أنه              متى أجزه حلمًا على الجهلِ يندمِ
وإن بذل الإنسانُ لي جود عابسٍ       جزيتُ بجود التارك المتبسِّمِ