جملة (يكشف عن ساق) كما قال جمع من المفسرين، كناية عن شدة الهول والخوف والرعب وسوء الحال، إذ أن المتعارف بين العرب عند مواجهتهم أمرا صعبا أنهم يشدون ثيابهم على بطونهم مما يؤدي إلى كشف سيقانهم.
ونقرأ جواب ابن عباس المفسر المعروف عندما سئل عن تفسير هذه الآية قال: كلما خفي عليكم شئ من القرآن ارجعوا إلى الشعر فإن الشعر ديوان العرب، ألم تسمعوا قول الشاعر:
وقامت الحرب بنا على ساق.
إن هذا القول كناية عن شدة أزمة الحرب.
وقيل: إن (ساق) تعني أصل وأساس الشئ، كساق الشجرة، وبناء على هذا فإن جملة (يكشف عن ساق) تعني أن أساس كل شئ يتضح ويتبين في ذلك اليوم، إلا أن المعنى الأول أنسب حسب الظاهر.
وفي ذلك اليوم العظيم يدعى الجميع إلى السجود للبارئ عز وجل، فيسجد المؤمنون، ويعجز المجرمون عن السجود، لأن نفوسهم المريضة وممارساتهم القبيحة قد تأصلت في طباعهم وشخصياتهم في عالم الدنيا، وتطفح هذه الخصال في اليوم الموعود وتمنعهم من إحناء ظهورهم للذات الإلهية المقدسة.
وهنا يثار سؤال: إن يوم القيامة ليس بيوم تكاليف وواجبات وأعمال، فلم السجود؟
يمكن استنتاج الجواب من التعبير الذي ورد في بعض الأحاديث، نقرأ في الحديث التالي عن الإمام علي الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) قال: (حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود).
وبتعبير آخر: في ذلك اليوم تتجلى العظمة الإلهية، وهذه العظمة تدعو المؤمنين للسجود فيسجدون، إلا أن الكافرين حرموا من هذا الشرف واللطف.
وتعكس الآية اللاحقة صورة جديدة لحالتهم حيث يقول سبحانه: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة) .
هذه الآية الكريمة تصف لنا حقيقة المجرمين عندما يدانون في إجرامهم ويحكم عليهم، حيث نلاحظ الذلة والهوان تحيط بهم، وتكون رؤوسهم مطأطأة تعبيرا عن هذه الحالة المهينة.
ثم يضيف تعالى: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون).
إلا أنهم لن يسجدوا أبدا، لقد صحبوا روح التغطرس والعتو والكبر معهم في يوم القيامة فكيف سيسجدون؟
إن الدعوة للسجود في الدنيا لها موارد عديدة، فتارة بواسطة المؤذنين للصلاة الفردية وصلاة الجماعة، وكذلك عند سماع بعض الآيات القرآنية وأحاديث الرسول (ص) والأئمة المعصومين (ع).. ولذا فإن الدعوة للسجود لها مفهوم واسع وتشمل جميع ما تقدم.
(الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١4 - الصفحة 360)
ومن سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، جاء عن جابر بن عبدالله (رض): أنَّ النبي (ص) كان يقول في سجوده: اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقَه وصوَّره، وشقَّ سمعَه وبصرَه، تبارك الله أحسن الخالقين.
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية ( 25).. (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.. )