لو تدبرنا القصة بعقلية ايامنا هذه ستشعر انهم لم يرتكبوا جرما كبيرا الذي يستوجب اللعن والمسخ، فاليهود قتلوا الأنبياء، وأكلوا الربا، وأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وكل ذلك أشد إثماً من أن يصطاد الإنسان ما أباح الله أن يصطاده كل يوم ما عدا يوم السبت.!
وما حدث ان السمك اصبح يغيب طوال الاسبوع ويأتي فقط يوم السبت. أما ما قاموا به ليس الاصطياد يوم السبت الذي حرم عليهم، بل كانوا فقط يلقون شباكهم يوم الجمعة ليلا ثم يسحبونها يوم الاحد صباحا .
لو فكرنا فيما فعلوه بعقلية اليوم ستجد انهم لم يرتكبوا شيأ كبيرا ، لكن الله غضب عليهم و لعنهم، يعني أخرجهم من رحمته وجعلهم قردة خاسئين.
))وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)) (البقرة 65 ( كل هذا لانهم التفوا وتحايلوا على اوامر الله سبحانه وتعالى.
لقد انقسم الناس في أمر الاصطياد في يوم السبت إلى ثلاث فرق:-
الفرقة الأولى: استحسنت صنع الصيد ونصب الشباك للأسماك والابقاء عليها في الماء حتى صباح يوم الأحد.
الفرقة الثانية: استنكرت ما فعلته الفرقة الأولى ونهتهم عنه، وامتثلت لأمر الله تعالى وأدت واجبها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفرقة الثالثة: فئة لم تعصِ الله ولم تفعل ما فعلت الفرقة الأولى، لكنها سكتت عن المعصية ولم تنهَ عنها، بل وحاولت اسكات الدعاة والمصلحين من الفرقة الثانية وإحباط همتهم في الدعوة: "وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أو مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا"، هذه الفئة المثبّطة قد غفلت عن حقيقة أن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي واجب وفريضة اسلامية بغض النظر عن النتائج والثمار التي يجنيها المصلح.
أصَرّ العصاة على موقفهم، ولم تنجح محاولات المصلحين في أن تثنيَهم عن طغيانهم وفسقهم، بل ووصلت بهم الجرأة والتعدّي على محارم الله بأن اصطادوا الأسماك يوم السبت علانيةً، فأتاهم أمر الله بالعذاب العظيم وهم آمنين مطمئنين غارقين بوهمهم بأنهم لم يقترفوا أي ذنب، "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ".
كم منا اليوم يعيش بعقلية التحايل والالتفاف حول اوامر الله الصريحة والواضحة، الربا اصبح فائدة، والرشوة اكرامية، والخمر اصبح مشروبات روحية والعياذ بالله، الغيبة والنميمة أصبحت فاكهة المجالس، والعري حرية، ومن لا يصلي يقول الدين معاملة والايمان في القلب، والحجاب الذي اصبح موضة، والجهر بالسوء الذي نراه كل يوم في الواقع والمواقع، وتحرش وافعال واقوال لاترضي الله و...
المصيبة ان يكون ربنا غاضب علينا او حتى خارجين من رحمته ونحن لا نشعر بل ونعتقد اننا أولياء الله الصالحين.
اما آن الاوان ان نتعامل مع ربنا كـ (رب عظيم يأمر فيطاع)، الله تعالى يقول: (مالكم لا ترجون لله وَقَارا) "نوح:13" ويقول سبحانه وتعالى: (وما قدروا الله حق قدره) " الزمر:67" ويقول عز و جل: (ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خير لهم) "النساء: 66".
وخير ما نختم به بحثنا، من دعاء الامام علي بن الحسين (عليه السلام) في طلب الرزق:
(( أَللَّهُمَّ إنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ وَفِي آجَالِنَا بِطُولِ الأمَلِ حَتَّى الْتَمَسْنَا أَرْزَاقَكَ مِنْ عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ وَطَمِعْنَا بِآمَالِنَا فِي أَعْمَارِ الْمُعَمَّرِينَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَهَبْ لَنَا يَقِيناً صَادِقاً تَكْفِينا بِهِ مِنْ مَؤونَةِ الطَّلَبِ وَأَلْهِمْنَا ثِقَةً خَالِصَةً تُعْفِينَا بِهَا مِنْ شِدَّةِ النَّصَبِ، وَاجْعَلْ مَا صَرَّحتَ بِهِ مِنْ عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ وَأَتْبَعْتَهُ مِنْ قِسَمِكَ فِي كِتَابِكَ قَاطِعاً لاهْتِمَامِنَا بِالرِّزْقِ الَّـذِيْ تَكَفَّلْتَ بِهِ وَحَسْمَاً لِلاشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْكِفَايَةَ لَهُ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الاصْـدَقُ وَأَقْسَمْتَ وَقَسَمُكَ الأَبَرُّ الأَوْفى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ثُمَّ قُلْتَ: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُوْنَ) اللهم آمین.
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (2).. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ