لا يختلف اثنان في أن الإنفاق من الأمور المحبوبة إلى الله تعالى وأنه حث الناس على الإنفاق فيما بينهم ومساعدة بعضهم البعض.
وقد جسّد كافة أنبياء الله هذا الخلق الكريم الجميل، وآخرهم وأفضلهم خاتم الأنبياء والمرسلين (صلىى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). فإنهم قد جسّدوا لنا أفضل الأمثلة في الإنفاق وفي كافة الأوقات والأماكن، وقد كان عطائهم لا يميز بين أحد من خلقه.
كما إن آيات القرآن الكريم قد تحدثت عن هذا الخلق العظيم وبينت كيف يكون وما هي حدوده المقبولة.
ويمكن لنا أن نتبين بعض ما ورد في القرآن عن الإنفاق من خلال الآيات الكريمة التالية:
1- أن يكون الإنفاق مما يملكون لا مما يملك غيرهم حتى وإن كان بسيطاً. (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة: 3).
2- أن يكون الإنفاق في سبيل الله. (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة:261).
3- ألا يتبع الإنفاق مناً أو أذىً على الفقير. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:262).
4- أفضل الإنفاق ما كان سراً. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:274).
5- يكون الإنفاق مما تيسر، فإن لم يجد فلا شيء عليه. (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) (التوبة:91_92).
6- يجب أن يكون الإنفاق لوجه الله لا لوجه الناس. (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان:9).
7- أن يكون الإنفاق عن رغبة وطواعية لا عن إجبار وإكراه. (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54).
8- الانفاق من زكات الاموال. (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة219).
جاء في مجمع البيان عن الإمام محمد الباقر (ع) (العفو ما فضل عن قوت السنة) ويحتمل أيضا أن يكون العفو في الآية هو الصفح عن أخطاء الآخرين.
وفي رواية عن الامام محمد الباقر (ع) قال: (يا حسين، أنفق وأيقن بالخلف من اللَّه، فإنّه لم يبخل عبد ولا أمة بنفقة فيما يُرضي اللَّه إلّاأنفق أضعافها فيما يسخط اللَّه عزّوجلّ).
وعن أبي عبد اللَّه الصادق (ع) قال: (من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنّة: أنفق ولا تخف فقراً، وأنصف الناس من نفسك، وأفشِ السلام على العالم، واترك المراء وإن كنت محقّاً)
ويذكر لنا المؤرخون قصة للامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام مع جارية له، كانت تحمل له إبريقاً ، إذ سقط الابريق من يدها ليشجّ وجه الامام (ع) ويسيل دمه، وحين اضطربت ، معتذرة إليه قائلة ( والكاظمين الغيظ ) قال لها الامام (ع): « كظمتُ غيظي » فقالت: ( والعافين عن الناس ) قال : « عفا الله عنك » فقالت: ( والله يحب المحسنين ) قال « أنتِ حرّة لوجه الله ».
هذه القصة جاءت في سياق التربية الرسالية الهادفة المتمثلة في (الانفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس والاحسان إليهم)، وهو تعليم الناس دين الله وأخلاق الاِسلام ، والتثقيف بثقافة القرآن.
وخير ما نختم لقاءنا دعاء للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: ( ربّنا أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت ، فاعفُ عنا.. ربنا وأمرتنا ألاّ نردّ سائلاً عن أبوابنا وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين ، وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطائك ، فامنُن بذلك علينا ولا تخيّبنا).. اللهم آمين.
إقرأ أيضا: قبسات قرآنية (1).. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ