قال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
يقول تفسير (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل) للشيخ ناصر مكارم شيرازي:
التدقيق في عبارات هذه الآية يبين أنها من أكثر آيات القرآن الكريم التي
تعطي الأمل للمذنبين، فشموليتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): " ما في القرآن آية أوسع من يا عبادي الذين أسرفوا... " .
والدليل على ذلك واضح من وجوه:
1 - التعبير ب يا عبادي هي بداية لطف البارئ عز وجل.
2 - التعبير ب (إسراف) بدلا من (الظلم والذنب والجريمة) هو لطف آخر.
3 - التعبير ب على أنفسهم يبين أن ذنوب الإنسان تعود كلها عليه، وهذا التعبير هو علامة أخرى من علامات محبة الله لعباده، وهو يشبه خطاب الأب الحريص لولده، عندما يقول: لا تظلم نفسك أكثر من هذا!
4 - التعبير ب لا تقنطوا مع الأخذ بنظر الاعتبار أن " القنوط " يعني - في الأصل - اليأس من الخير، فإنها لوحدها دليل على أن المذنبين يجب أن لا يقنطوا من اللطف الإلهي.
5 - عبارة من رحمة الله التي وردت بعد عبارة لا تقنطوا تأكيد آخر على هذا الخير والمحبة.
6 - عندما نصل إلى عبارة إن الله يغفر الذنوب التي بدأت بتأكيد، وكلمة " الذنوب " التي جمعت بالألف واللام تشمل كل الذنوب من دون أي استثناء، فإن الكلام يصل إلى أوجه، وعندها تتلاطم أمواج بحر الرحمة الإلهية.
7 - إن ورود كلمة (جميعا) كتأكيد آخر للتأكيد السابق يوصل الإنسان إلى أقصى درجات الأمل.
8 و 9 - وصف البارئ عز وجل بالغفور والرحيم في آخر الآية، وهما وصفان من أوصاف الله الباعثة على الأمل، فلا يبقى عند الإنسان أدنى شعور باليأس أو فقدان الأمل.
نعم، لهذا السبب فإن الآية المذكورة أعلاه من أوسع وأشمل آيات القرآن المجيد، حيث تعطي الأمل بغفران كل أنواع الذنوب، ولهذا السبب فإنها تبعث الأمل في النفوس أكثر من بقية الآيات القرآنية. وحقا، فإن الذي لا نهاية لبحر لطفه، وشعاع فيضه غير محدود، لا يتوقع منه أقل من ذلك.
هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أن طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم. لذا فإن (وحشي) المجرم المعروف في التأريخ الإسلامي والذي قتل حمزة سيد الشهداء (عليه السلام)، كان خائفا من عدم قبول توبته، لأن ذنبه كان عظيما، مجموعة من المفسرين قالوا: إن هذه الآية عندما نزلت على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فتحت أبواب الرحمة الإلهية أمام وحشي التائب وأمثاله!
ولكن لا يمكن أن تكون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآية، لأن هذه السورة من السور المكية، ولم تكن معركة أحد قد وقعت يوم نزول هذه الآيات، ولم تكن أيضا قصة شهادة حمزة ولا توبة وحشي، وإنما هي من قبيل تطبيق قانون عام على أحد المصاديق، وعلى أية حال فإن شمول معنى الآية يمكن أن يشخص هذا المعنى.
تفسير الأمثل/ الشيخ ناصر مكارم شيرازي