ازداد مدى صواريخ حرس الثورة الإيرانية من 300 كيلومتر في أقل من عقد إلى 1350 كيلومترا ووصل فيما بعد إلى مدى 2000 كيلومتر. حيث ان تنامي هذه القدرة على حمل رؤوس حربية مختلفة وأيضا بنوعين من الصواريخ الوقود السائل والصلب كان قد اكتمل بحلول نهاية عام 2001.
ومع الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر، منذ عام 2011 كان تركيز خبراء الصواريخ في البلاد على زيادة الدقة القصوى للصواريخ، وكانت النتيجة الأولى هي صاروخ عماد بمدى 1700 كيلومتر وقدرته على اصابة الأهداف بدقة فائقة وتوجيه الرؤوس الحربية إلى نهاية المسار.
وبعد ذلك تم تطبيق هذه القدرة على صواريخ أخرى، بما في ذلك صواريخ قدر وسجيل وقيام، وحتى الصواريخ الأقدم من طراز شهاب 2. صواريخ الوقود الصلب التكتيكية من فئة فاتح، ثم ذو الفقار ودزفول، وصاروخ الحاج قاسم الجديد كان لها نفس مسار الاستهداف النقطوي على جدول الأعمال منذ البداية.
لكن في مجال القوة الصاروخية، كان من أهم الأشياء هو إخفاء الصواريخ قبل الإطلاق، مع مراعاة كافة المعايير في صيانتها وإعدادها والقدرة على إطلاقها بشكل مفاجئ من مواقع مجهولة.
وفي هذا الصدد، تم الكشف عن القواعد الصاروخية تحت الأرض في عام 2011 بعد مضي 15 عاما على دخولها حيز التشغيل. وبعد بضع سنوات، تم ازاحة عن مدن الصواريخ كمجموعة واسعة من الأنفاق، وقواعد الإطلاق التحت أرضية، ومستودعات الصواريخ، والوقود والرؤوس الحربية، وصالات التجميع قبل الإطلاق، فضلاً عن أنفاق نشر منصات الإطلاق المتنقلة.
قوبلت هذه المدن الصاروخية ونوعية البناء وخصائصها بقدر كبير من التحليلات من قبل المراقبين والمحللين الأجانب بشأن العمق المجهول للقدرات الدفاعية والهندسية واللوجستية للقوات الإيرانية، وخاصة القوة الجوفضائية لحرس الثورة الاسلامية.
حيث تتم جميع مراحل الصيانة والإعداد وإطلاق الصواريخ من قواعد الإطلاق التحت أرضية على عمق مئات الأمتار تحت الجبل، وهناك عدة مدن صاروخية في جميع أنحاء البلاد تعمل بالتناسب مع ظروف الحرب.
وبعد العملية الصاروخية التي نفذها حرس الثورة الإسلامية ضد قاعدة عين الأسد الأمريكية، أشار العميد حاجي زاده، قائد قوة الجوفضائية الى نقطة مهمة للغاية حول قدرة العمليات الصاروخية لحرس الثورة الإسلامية.
وصرح قائلاً "في اليوم الذي ضربنا فيه عين الأسد ، اعتقدنا أنهم سيردون بعد 20 دقيقة، لذلك فقد قمنا بتحديد 400 نقطة. كنا سنستهدفها في حال قاموا بالرد، وكانت خطتنا هي انهم اذا ردوا سنضرب 400 هدف اميركي". يتضح من هذه التصريحات أن حرس الثورة كان على أهبة الاستعداد للرد في حال وجود أي رد أمريكي على عملية حرس الثورة، من خلال إطلاق عدة مئات من الصواريخ على قواعد أمريكية مختلفة في المنطقة في فترة زمنية قصيرة، وعدة آلاف من الصواريخ إذا احتدم الصراع لمدة أيام أو أسابيع.
وفي آخر إنجاز تقني، نجح خبراء الصواريخ في حرس الثورة الاسلامية في تصميم وبناء منظومة يمكنها ان تجهز جميع أنواع صواريخ الإطلاق العمودية الثقيلة التابعة لحرس الثورة، بما في ذلك صاروخ عماد بعيد المدى، ونقلها على عربة صغيرة متحركة، داخل أنفاق المدن الصاروخية نحو قواعد الاطلاق التحت أرضية. وهذا يعني قفزة في سرعة إطلاق النار، أو بعبارة أخرى انخفاض كبير في فترات إطلاق الصواريخ الزمنية من القواعد تحت الأرض.
في حين انه في الماضي، كان لا بد من تنفيذ خطوات التحضير لإطلاق كل صاروخ على التوالي حتى يمكن إطلاق عدة صواريخ من كل قاعدة. لكن مع هذا الابتكار الجديد لحرس الثورة ووضع الصواريخ على عربة متحركة، تم انجاز خطوات تحضير الصواريخ بعدة وحدات وسيتم نقل عدد من الصواريخ الجاهزة إلى قاعدة الإطلاق في الحال.
وبمعنى آخر، لم تعد قاعدة الاطلاق تنتظر بدء عملية الإعداد التالية للصاروخ، وخلال أقصر وقت ممكن بعد إطلاق الصاروخ الأول، يتمركز الصاروخ الثاني ويطلق، وهكذا... وفي مراسم إزاحة الستار عن هذه المنظومة كانت كل عربة متحركة قادرة على حمل 5 صواريخ.
يتمثل الإجراء في إيقاف الناقل المتحرك (العربة) المواجه لقاعة بحيث يكون أول موضع فارغ للصاروخ أمام نظام التقويم الرأسي للصاروخ. وبجانب هذا النظام، توجد مساحة فارغة حيث يتم نقل الصواريخ من القواعد أو منصات الدعم إلى نظام التقويم. وبعد تحميل الصاروخ الأول على الناقل المتحرك، تتحرك الحاملة إلى الأمام بحجم الصاروخ ويبدأ تحميل الصاروخ الثاني.
وفي الواقع، سيؤدي هذا الابتكار الجديد لحرس الثورة الى خلق وابل من الصواريخ وزادت بشكل كبير من سرعة العمل في تنفيذ العمليات الصاروخية واسعة النطاق ضد الأهداف. حيث يمكن لكل صاروخ أن يعمل ضد هدف مختلف، ولكن يتم إطلاق جميع الصواريخ من قاعدة واحدة وحجرة واحدة. كما تكون الحجرات الأخرى في تلك القاعدة جاهزة أيضا لإطلاق الصواريخ الخاصة بها.
هذا وان مجموع هذه العملية يتسبب في أنه في الموجة الأولى من الهجوم أو الرد الصاروخي على العدو، يتضاعف عدد الصواريخ الموجهة نحو الأهداف، وتقليل احتمالية صد الهجوم من قبل العدو إلى الصفر، فضلاً عن تقليل احتمالية تعرض القواعد لخطر توقف الإطلاق في حالة حدوث ضرر يلحق بقواعد الاطلاق في حال تم اكتشاف موقعها بواسطة الأقمار الصناعية للعدو بعد الاطلاق الأول.
وبالإضافة إلى ذلك فإن زيادة كثافة إطلاق النار في الموجة الأولى من الرد الصاروخي يزيد من مستوى الضرر الذي يلحق بالقدرة العسكرية للعدو في القواعد الجوية، وإمكانية انتشار القوات البرية والقواعد البحرية وسفن العدو، وفي الحقيقة فان العدو سيتكبد خسائر فادحة في وقت قصير جداً. وهذا يقلل من عبء التآكل للحرب ويزيد من شدة الضربة المتبادلة لإجبار العدو على الامتناع عن الاستمرار في الاشتباك.
وبعبارة أخرى، تفرض زيادة قوة الهجوم المضاد إستراتيجية الدولة في إدارة تطورات الاشتباك، خاصة ضد عدو مثل الولايات المتحدة الامريكية، التي لديها منشآت وقوات عسكرية واسعة النطاق.