من هو عنوان البصري وما هي قصته مع الامام الصادق (ع)

الأحد 18 أكتوبر 2020 - 07:46 بتوقيت غرينتش
من هو عنوان البصري وما هي قصته مع الامام الصادق (ع)

قصة عنوان البصري مع الامام الصادق (عليه السلام) ...

عن عنوان البصري - كان شيخا كبيرا قد أتى عليه أربع وتسعون سنة - قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلما حضر الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك، فقال لي يوما : إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار فلا تشغلني عن وردي فخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه ، فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده ، وقلت في نفسي : لو تفرس في خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه ، فدخلت مسجد الرسول ( صلى الله عليه و آله ) وسلمت عليه ، ثم رجعت من القبر إلى الروضة وصليت فيها ركعتين ، وقلت : أسألك يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر ، وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم .

ورجعت إلى داري مغتما حزينا ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما اشرب قلبي من حب جعفر ، فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى عيل صبري ، فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا - وكان بعد ما صليت العصر - فلما حضرت باب داره استأذنت عليه ، فخرج خادم له فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : السلام على الشريف ، فقال : هو قائم في مصلاه ، فجلست بحذاء بابه ، فما لبثت إلا يسيرا ، إذ خرج خادم له قال : ادخل على بركة الله ، فدخلت وسلمت عليه ، فرد علي السلام وقال : اجلس غفر الله لك ، فجلست فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال : أبو من ؟ قلت : أبو عبد الله ، قال : ثبت الله كنيتك ووفقك لمرضاته ، [ يا أبا عبد الله ما مسألتك ؟ ] قلت في نفسي : لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيرا .

ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : يا أبا عبد الله ، ما حاجتك ؟ قلت : سألت الله أن يعطف قلبك علي ويرزقني من علمك ، وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته ، فقال : يا أبا عبد الله ، ليس العلم بالتعلم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك .

قلت : يا شريف ، فقال : قل يا أبا عبد الله ، قلت : يا أبا عبد الله ، ما حقيقة العبودية ؟ قال : ثلاثة أشياء : أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله إليه ملكا لأن العبيد لا يكون لهم ملك ، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به ، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا ، وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه ، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه ، وإذا فوض العبد تدبير نفسه على مدبره هان عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منها إلى المراء والمباهاة مع الناس ، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هان عليه الدنيا وإبليس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا ، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا ، ولا يدع أيامه باطلا ، فهذا أول درجة المتقين ، قال الله تعالى : * ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) * .

قلت : يا أبا عبد الله أوصني ، فقال : أوصيك بتسعة أشياء ، فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله عز وجل والله أسأل أن يوفقك لاستعماله : ثلاثة منها في رياضة النفس ، وثلاثة منها في الحلم ، وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها ، قال عنوان : ففرغت قلبي له . فقال : أما اللواتي في الرياضة : فإياك أن تأكل مالا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله ، ولا تأكل إلا عند الجوع وإذا أكلت فكل حلالا وسم الله ، واذكر حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه ، فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " .

أما اللواتي في الحلم : فمن قال لك : إن قلت واحدة سمعت عشرا ، فقل : إن قلت عشرا لم تسمع واحدة ، ومن شتمك فقل : إن كنت صادقا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لي ، وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لك ، ومن وعدك بالجفاء فعده بالنصيحة والدعاء . وأما اللواتي في العلم : فاسأل العلماء ما جهلت ، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة ، وإياك أن تعمل برأيك شيئا ، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا ، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا ، قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ، ولا تفسد علي وردي فإني امرؤ ضنين بنفسي ، والسلام.

وسوف يأتيكم وصايا الامام الصادق الى عنوان البصري بالتفصيل في وقت لاحق 

سند الحديث:

حديث عنوان البصري هو حديث مرسل، نقله العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار بالتفصيل مرتين. فمرة نقله عن الشيخ البهائي في كشكوله عن الشهيد الأول عن الفراهاني، ونقله مرة ثانية في المجلد السابع عشر عن مشكاة الأنوار للشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان. كما ورد الحديث في كتاب العوالم ووسائل الشيعة للحر العاملي.