المالكي يستذكر انتفاضة صفر ويحيّي شهداءها ويؤكد على أهمية الحوار الوطني لحل الأزمات

الثلاثاء 6 أكتوبر 2020 - 09:32 بتوقيت غرينتش
المالكي يستذكر انتفاضة صفر ويحيّي شهداءها ويؤكد على أهمية الحوار الوطني لحل الأزمات

الاربعين-الكوثر: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

   نعيش هذه الأيام ككل عام، ذكرى الانتفاضة الصفرية الكبرى التي انطلقت من حاضرة العلم والجهاد، النجف الأشرف، في العام 1397 هج (1977م)؛ ليعبر من خلالها شعبنا العراقي الحسيني عن التصاقة بنهضة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافها، والتي عمل النظام البعثي البائد على منع شعائرها بالتدريج منذ أن تسلط كابوسه على صدر العراق. ولم يتنازل العراقيون الأباة عن التمسك بإحياء أمر آل بيت النبوة (عليهم السلام)، كما أكد أئمة الهدى: (( أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا))؛ برغم المنع المشدد للسلطة البعثية وتهديداتها. ولم يكن هذا المنع التعسفي سوى تعبيرٍ عن عداء متأصل في عقول البعثيين وقلوبهم لآل البيت، وخصومة فاقعة ضد مراسيم إحياء ذكرهم.   

   وكان جواب العراقيين الأباة، الرفض القاطع لكل ما يحول دون إقامة مراسيم الخروج الجماهيري الحزين الى كربلاء.. مشياً على الأقدام، وعبّروا عن هذا الرفض بالانتفاضة الكبرى ضد تعسف السلطة وظلمها وهم يهتفون: ((لو قطعوا أرجلنا واليدين..نأتيك زحفاً سيدي ياحسين)). ورغم محافظة الجماهير الحسينية المنتفضة، التي قُدر عددها بربع مليون شخص، على سلمية احتجاجها، واقتصار أهدافها على زيارة مرقد سيد الشهداء، إلّا أن السلطة البعثية واجهت الجماهير بالحديد والنار، وحشدت أسلحتها الثقيلة ودباباتها وطائراتها الحربية لقمعها. وحدثت المنازلة الكبرى في الطريق بين النجف وكربلاء، بين المنتفضين الحسينيين العزّل، وهم يحملون رايات الحزن، ويرددون هتافات النهضة الحسينية والقبول بالتضحية من أجلها، وبين الحشود العسكرية الكبيرة التي ملأت الطرقات العامة والفرعية بكل وسائل الترهيب والقتل.

   في تلك المنازلة؛ لم يتعرض المنتفضون الواعون لأي رجل شرطة أو عسكري أو مدني، ولم يعمدوا الى تخريب المنشآت الخاصة والعامة، ولم يسمحوا لأي مندس أو مخرب أن يحرف مسار الإنتفاضة، رغم العنف الشديد الذي استخدمته السلطة، وسقوط بعض المنتفضين شهداء وجرحى، وفي مقدمتهم الشهيد محمد الميالي، وبرغم حملة الاعتقالات التي طالت مايقرب من ثلاثين ألف شخص، وفي مقدمتهم الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم، مبعوث الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر الى قادة الانتفاضة.

كان هدف النظام البعثي من كل ذلك العنف ضد زوار سيد الشهداء، ثم أحكام الإعدام والسجن المؤبد التي صدرت بحق بعضهم فيما بعد؛ كسر إرادة الشعب العراقي، والحيلولة دون تكرار مثل هذا التحدي الكبير، فضلاً عن التعبير عن حقد البعث المتأصل ضد كل ما ينتمي الى آل البيت (عليهم السلام).  

   وبهذه المناسبة العظيمة، نحيّي شهداء الإنتفاضة ورموز التحدي: السيد وهاب الطالقاني وجاسم الايرواني وعباس عجينة ومحمد البلاغي ويوسف الأسدي وصاحب أبو كلل وكامل ناجي مالو وغازي خوير، ونستذكر دورهم البطولي، كما نحيّي جميع من شارك في هذه الانتفاضة الهادفة الواعية، وكل أبناء العراق الذين واصلوا الجهاد ضد النظام البعثي، وخاصة النهضة الإسلامية الشعبية التي فجرها الإمام الشهيد محمد باقر الصدر في العام 1979م.   

  وقد منّ الله (تعالى) على شعب العراق المضحي بعودة مراسيم إحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) بعد العام 2003، بحجمٍ وأسلوبٍ أدهشا العالم، وهو دليل واضح على أن الطغاة مهما بلغوا من الجبروت والظلم؛ فإنهم عاجزون عن القضاء على إحياء أمر آل البيت، وخاصة شعائر سيد الشهداء (عليه السلام).

هاهي ملحمة الزيارة الأربعينية في هذا العام، تشرق على الأمة الإسلامية والعالم، بنورها الذي يحمل أرقى المضامين الإنسانية والإجتماعية والأخلاقية والدينية والمذهبية والوطنية، رغم إجراءات الوقاية الضرورية من انتشار فيروس "كورونا"، والأوضاع الخطيرة التي يمر بها العراق على المستويات السياسية والأمنية والمعيشية.

إن الواقع العراقي القلق اليوم، يستدعي التواصل المنتج بين الأطراف السياسية والمجتمعية المختلفة، لخلق الاستقرار الأمني والسياسي، كما يستدعي قيام الحكومة العراقية بواجباتها على أتم وجه، عبر أجهزتها المختصة، وتحمل مسؤولية الوضع المعيشي الصعب والخروقات الأمنية في بغداد وبعض مدن الوسط والجنوب، والتي تتسبب في أزمات اجتماعية كبيرة؛ لأن أمن الشعب وسلامته وتسهيل سبل عيشه هو الخط الأحمر الحقيقي. ولذلك؛ أدعو جميع سلطات الدولة ومؤسساتها، وكذا الأحزاب والكتل السياسية، والمكونات الاجتماعية، وممثلي التظاهرات السلمية، الى الحوار المكثف، في إطار مبادرة وطنية شاملة سنعلن عنها في الأيام القليلة القادمة؛ بهدف الخروج من نفق الأزمات، وفي مقدمتها التردي الأمني والخدماتي والمعيشي.    

((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)). صدق الله العلي العظيم.

نوري المالكي
الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية
17 صفر الحرام 1441 هج
5/ 10 / 2020 م