جيءَ برؤوس الشهداء يتقدَّمها رأس الحسين (عليه السلام) إلى بلاط يزيد، فأدخلت عليه، وكان بيده قضيب، فأخذ يضرب به فَمَ الإمام الحسين (ع)، ويُردِّد أبيات ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * جزعَ الخَزْرجِ مِن وقعِ الأَسَلْ
لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً * ثُمَّ قالوا يا يزيد لا تُشَلْ
لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا * خَبرٌ جَاءَ ولا وَحي نَزَلْ
لَسْتُ مِن خَندف إِنْ لَم أنتَقِم * مِن بَني أحمَد مَا كانَ فَعَلْ
وقد رافق وصول سبايا آل البيت (ع) إلى دمشق حملة إعلامية مُضلِّلة، تقول: إن أولئك السبايا خرجوا على الخليفة الشرعي يزيد، فقتَلَهُم، وجيء بنسائِهِم وأطفالهم، وأشاعوا ذلك بين الناس، وأمروهم بإظهار الزينة والفرح.
وفي مجلس يزيد، أوقف الإمام زين العابدين (عليه السلام) مع السبايا، وأمر الطاغية يزيد خطيبه أن يرقى المنبر ويمجّد في آل أبي سفيان ويذم أمير المؤمنين علي (ع)، فلما تمكن الإمام (ع) من ارتقاء تلك الأعواد، استطاع أن يعكس الموقف، ويكشف الحقيقة بما ذكر من أوصاف ونعوت لجده وأهل البيت (ع)، وتعتبر من الأحداث المهمة بعد واقعة الطف.
التعريف بخطبة الإمام السجاد (ع) بمحضر يزيد:
هذه الخطبة تُعدّ من أعظم الخطب بلاغة وفصاحة في بيان مقام أهل البيت (ع) وما حل بهم من ظُلامة بسبب حادثة عاشوراء، حيث أخذ الإمام السجاد (ع) في فقرات الخطبة بالتعريف عن شخصه؛ من هو، وابن من، ومن هم آباؤه، ومن سلالة من هو، ولم يترك ذكر عمومته أيضاً الحمزة وجعفر (عليهما السلام)، وذكر هذا بأوصاف جده أمير المؤمنين (ع) وما مجّه به الوحي والنبي (ص.(
تفاصيل الخطبة:
ابن مكة ومنى: أراد الإمام (ع) من هذا إثبات أنهم أهل التوحيد وأبناء العبادة لا كما أشاعه بنو أمية ومنهم ذلك الخطيب اليزيدي.
أن الحج ميراثٌ إبراهيمي، والمسلمون عرفوا هذه المناسك متّحدة ممزوجة باسم النبي إبراهيم (ع)، والإمام بهذا يريد أن يبين أنهم (ع) ذرية إبراهيم الخليل.
أراد بهذا أن يقول إننا ذرية من أحيا هذه الشعيرة الإبراهيمية وهو رسول الله (ص).
ابناء النبي (ص) : تعريف الإمام (ع) بالنبي (ص) والإشارة إلى فضائله ليس إلاّ ليعلم أهل الشام المغرر بهم أنّ هؤلاء الأسرى هم أبناؤه، وإلاّ فأهل الشام يعرفون من هو النبي (ص).
التعريف بأمير المؤمنين (ع) : بسبب ما أشاعه معاوية من الطعن في شخصية أمير المؤمنين (ع)، اضطر الإمام (ع) للتعريف بجده والإكثار من ذكر فضائله وما نعته به الوحي والنبي (ص)، فكانت هذه الفرصة القصيرة كافية للتعريف بأمير المؤمنين (ع).
الضارب بالسيفين: إشارة إلى غزوة أحد، أعطى النبي (ص) سيف ذي الفقار الى الامام علي (ع) بعد تكسر سيفه. أو إشارة إلى ما هو المشهور من أن ذا الفقار كان ذا شعبتين.
هاجر الهجرتين: إشارة إلى مهاجرة أمير المؤمنين (ع) الهجرتين، الأولى من مكة إلى المدينة والثانية خروجه من المدينة إلى الكوفة.
بايع البيعتين: بيعة العقبة لرسول الله (ص) في مكة قبل الهجرة ، وبيعة الرضوان تحت الشجرة بعد الرجوع من صلح الحديبيّة.
مؤيد بجبرئيل وميكائيل: إشارة إلى يوم بدر، وقد روي أن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام مع علي (رضي الله عنه).
مظلومية الحسين
بعد ذكر نسبه والتعريف بآبائه الطاهرين، أخذ الإمام السجاد (ع) في بيان مظلومية أبيه الحسين (ع) وكيف استشهد ظلماً وجوراً، والتي بدورها فتحت أفق النظر عند الشاميين وتغيير المعلومات المغلوطة التي رسمها معاوية طوال 40 سنة تسلّط فيها على بلاد الشام، وهذا ما دعا بيزيد (لعنه الله) ليدفع بالمؤذن ليقطع على الإمام (ع خطبته) وكان يعلم بذك حيث قال: "لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحت آل أبي سفيان".
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم