بطلة كربلاء.. زينب الكبرى عليها السلام..7 بخطبتها تحطم طغيان الجاهلية

الخميس 17 سبتمبر 2020 - 04:41 بتوقيت غرينتش
بطلة كربلاء.. زينب الكبرى عليها السلام..7 بخطبتها تحطم طغيان الجاهلية

حسينيات-الكوثر: عندما وصل ركب سبايا دمشق مقر حكم الامويين، كانت عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (سلام الله عليها) هي المستفتحة للثورة على الحكم الأُموي، وهي المرحلة الإعلامية التي لا تقل أهميتها عن أهمية النهضة الحسينية؛ لذا كانت السيدة زينب (س) دقيقة في خطبتها، مستوحات من البلاغة والشجاعة العلوية، فوقفت تلك الوقفة المشهودة؛ لتُطلق تلك الكلمات الخالدة التي أعادت الأُمور إلى نصابها، وأزاحت عن الحقيقة حجابها، منتفضة للدين، متحدية طغيان الأموي.

لما وضع رأس الحسين (ع) بين يدي يزيد، دعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين (ع), فأقبل عليه (أبو برزة الأسلميّ) وقال: ويحك يا يزيد, أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة عليها السلام، أشهد لقد رأيت النبيّ يرشف ثناياه وثنايا أخيه, ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة فقتل الله قاتلكما..

فغضب يزيد فأمر بإخراجه فأُخرج سحباً..وجعل يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى:

لَيْتَ أَشْيَاخِيْ بِبَدْرٍ شَهِدُوْا         جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعَ الأَسَلْ

لَأَهَلُّوْا وَاسْتَهَلُّوْا فَرَحاً             ثُمَّ قَالُوا يَا يَزيْدُ لا تُشَلّْ

قَدْ قَتَلْنَا القَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ         وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلْ

لَعِبَتْ هَاشِمٌ بِالمُلْكِ فَلَا            خَبَرٌ جَاءَ وَلا وَحْيٌ نَزَلْ

لَسْتُ مِنْ خِنْدَفٍ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ     مِنْ بَنِيْ أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلْ

وكان إلى جانبه مروان بن الحكم (لعنه الله) فأخذ يقول فرحاً بقتل سيّد شباب أهل الجنّة وهو يلتفت إلى الرأس الشريف:

يَا حَبَّذَا بُرْدُكَ فِي اليَدَيْنِ           وَلَوْنُكَ الأَحْمَرُ فِي الخَدَّيْنِ

أَخَذْتُ ثَارِيْ وَقَضَيْتُ دَيْنِيْ       شَفَيْتُ قَلْبِيْ مِنْ دَمِ الحُسَيْنِ

خطبة زينب الكبرى في مجلس الطاغية يزيد

فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السلام في مجلس يزيد وقالت:

الحمد لله ربّ العالمين, وصلّى الله على رسوله محمّد وآله أجمعين, صدق الله كذلك يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾.

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء, فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى, أنّ بنا على الله هواناً, وبك عليه كرامة, وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده, فشمخت بأنفك, ونظرت في عطفك, جذلان مسروراً, حين رأيت الدنيا لك مستوسقة, والأمور متّسقة, وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا, مهلاً مهلاً, أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.

أمن العدل يا بن الطلقاء, تخديرك حرائرك وإماءك, وسوقك بنات رسول الله سبايا, قد هُتكت ستورهنَّ, وأُبديت وجوههنَّ, تحدو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلدٍ, ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل, ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد, والدنيُّ والشريف, ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ, ولا من حُماتهنّ حميّ, وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء, ونبت لحمه بدماء الشهداء, وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن, والإحن والأضغان, ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم:

       لَأَهَلُّوْا وَاسْتَهَلُّوْا فَرَحاً        ثُمَّ قَالُوْا يَا يَزِيدُ لا تُشَل

منتحياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك, وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة, واستأصلت الشأفة, بإراقتك دماء ذريّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, ونجوم الأرض من آل عبد المطلب, وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم, فلتردنّ وشيكاً موردهم, ولتودّنَّ أنّك شللت وبكمت, ولم يكن قلت ما قلت, وفعلت ما فعلت.

اللهمّ خذ بحقّنا, وانتقم من ظالمنا, وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا, وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلّا جلدك, ولا حززت إلّا لحمك, ولتردنّ على رسول الله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته, وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته, حيث يجمع الله شملهم, ويلمّ شعثهم, ويأخذ بحقّهم: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾, حسبك بالله حاكماً, وبمحمّد خصيماً, وبجبرئيل ظهيراً, وسيعلم من سوّى لك, ومكّنك من رقاب المسلمين: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾, وأيّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك, إنّي لأستصغر قدرك, وأستعظم تقريعك, وأستكبر توبيخك, لكنّ العيون عبرى, والصدور حرّى, ألا فالعجب كلّ العجب, لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء, فهذه الأيدي تنطف من دمائنا, والأفواه تتحلّب من لحومنا, وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل, وتعفوها أمّهات الفراعل, ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً, حين لا تجد إلّا ما قدّمت يداك: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾, فإلى الله المشتكى, وعليه المعوّل.

فكِدْ كيدك, واسعَ سعيك, وناصب جهدك, فوالله لا تمحو ذكرنا, ولا تميت وحينا, ولا تدرك أمدنا, ولا ترحض عنك عارها, وهل رأيك إلّا فند, وأيّامك إلّا عدد, وجمعك إلّا بدد, يوم ينادي المنادي: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.

فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة, ولآخرنا بالشهادة والرحمة, ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب, ويوجب لهم المزيد, ويحسن علينا الخلافة, إنّه رحيم ودود, وحسبنا الله ونعم الوكيل.

زينب عليها السلام للشاميّ: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلّا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بدينٍ غير ديننا، فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا الكلام؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك، قالت زينب عليها السلام: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً، قال: كذبت

يا عدوّة الله، قالت له: أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر لسلطانك، فكأنّه استحيا وسكت، وعاد الشاميّ ونظر رجل شاميّ إلى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام فقال ليزيد: يا أمير المؤمنين هَبْ لي هذه الجارية تَكُنْ خادمة عندي! فارتعدت فرائص فاطمة من كلامه وتعلّقت بعمّتها زينب عليها السلام وقالت: يا عمّتاه أُوتمت وأُستخدم؟!

فقالت فقال: هب لي هذه الجارية فقال له يزيد: أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً..

قال ابن طاووس: ثم أمر بهم يزيد إلى منزل لا يكنُّهم من حر ولا برد فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم وكانوا مدى إقامتهم في البلد المشار إليه ينوحون على الحسين (ع). 

وفي هذا الموضع رأت (رقيّة) طفلة الإمام الحسين (ع) أباها في المنام فاستيقظت وطلبت رؤية أبيها فجاؤوها برأسه، ولمّا رأت ذلك المشهد فارقت روحها جسدها، ودُفنت هناك حيث جعلوا لها ضريحاً فيما بعد.   

 وعن المنهال ابن عمر قال: كنت أتمشى في أسواق دمشق وإذا أنا بعلي بن الحسين (ع) يمشي ويتوكأ على عصاة في يده، ورجلاه كأنهما قصبتان، والدم يجري من ساقيه، والصفرة قد علت عليه.   قال المنهال: فخنقتني العبرة، فاعترضته وقلت له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال (ع) : يا منهال وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية، يا منهال: والله منذ قتل أبي نساؤنا ما شبعت بطونهن، ولا كسون رؤوسهن، صائمات النهار نائحات الليل.  

يا منهال أصبحنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها، وتفتخر قريش على العرب بأن محمداً منها وإنا عترة محمد أصبحنا مقتولين، مذبوحين، مأسورين، مشردين، شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك او كابل، هذا صباحنا أهل البيت.

وهنا يأتي موقف الشعر الرسالي في قصيدة عميد المنبر الحسيني، الشيخ احمد الوائلي بلاميته الشهيرة:

يــــا ابـنة المجد في مدى آل فهر         وابـــنة الـوحي في مدى جبرئيل

وابنة الطّــــهر فــارق الجاهليات        وأعراقـــــها بــــجــــــذر أصــيل

يـــــا مــــزاجاً به جــــهاد عـــلي        وهــــدى أحــــمد وصــبر البتول

وشمــــــوخاً مــــا أركعته الرّزايا        يوم صُــــبَّت مصـــائب كالسيول

وفــــــماً أبـــــلج البــــيان ورأساً         علــــوياً لــــم يــنحني لـــــلذيول

* * *

تقرعين الخصوم بالمنطق الفصل         فيأتي الدلــــيل تــــلو الــــدلـــيل

إزئـــــري فـــــالزّئير عـندك إرث        ومـــزاج الأســـود إرث الـشّبول

يــــا لها من مــواقف كشفت عند         ك طبــــع الحــــسام عند الصّليل

السلام عليك يا أم المصائب يا زينب الكبرى يا بنت الأكارم، يا حفيدة المصطفى وبنت علي والزهرا واخت سيدي شباب أهل الجنة عليهم جميعا سلام الله ابدا ما بقي الليل والنهار.