بعد تقلّد الوليد الأموي أزمّة الملك بعد أبيه عبد الملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً، حتّى طعن عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً.
وفي عهد هذا الطاغية استشهد العالم الإسلامي الكبير (سعيد بن جبير) في مدينة واسط العراقية على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي أعتى عامل أموي على العراق.
وقد كان الوليد من أحقد الناس على الإمام زين العابدين (عليه السلام) لأنّه كان يرى أنّه لا يتمّ له الملك والسلطان مع وجود الإمام علي السجاد(ع).
فقد كان الإمام(ع) يتمتّع بشعبية كبيرة، حتّى تحدّث الناس بإعجاب وإكبار عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأندية بالتحدّث عن صبره وسائر ملكاته، واحتلّ مكاناً كبيراً في قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، ويتشرّف بمقابلته والاستماع إلى حديثه .
وروى الزهري: عن الوليد أنّه قال : لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا.
فأجمع رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين (ع) حينما آل إليه الملك، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على المدينة، وأمره أن يدسّه للإمام(ع) ونفّذ عامله ذلك، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوى.
وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر(عليه السلام) بتجهيز جثمان أبيه (ع)، وبعد تشييع حافل لم تشهد المدينة نظيراً له; وجيء بجثمانه الطاهر إلى بقيع الفرقد، فحفروا قبراً بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن المجتبى (ع) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (ص) ـ وأنزل الإمام الباقر(ع) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين (ع) فواراه في مقرّه الأخير.
ولقد حضر الإمام زين العابدين (ع) واقعة كربلاء، وشاهد مصارع أبيه وإخوته وأعمامه، وقد أقعده المرض في تلك الاَيام عن القتال ليبقيه الله تعالى مناراً للإسلام بعد أبيه ويكمل مسيرة جده وأبيه، حتى لا تخلو الأرض من حجة .
وكان دور الإمام عليه السلام إكمال عملية التغيير التي سعى فيها أبيه الحسين (ع)، فلم يترك مناسبة دون أن يذكّر بالمصائب التي حلّت بأهل البيت، حملة الاِسلام المخلصين فكان موقفه الخطابي في الكوفة ودمشق الذي كشف للمسلمين حقيقة الحكم الاموي، ممّا أدّى إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالاِثم الذي أحسّه المسلمون عقب مقتل الحسين (ع) ، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه. فتوالت الثورات حتى زعزعت أركان الحكم الاَموي، وأسقطته في نهاية المطاف.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
وهذا شاعر أهل البيت عليهم السلام المرحوم الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي برثي الامام زين العابدين
قرحت جفونك من قذى وسهاد *** إن لم تفض لمصيبة السجاد
فأسل فؤادك من جفونك أدمعا *** واقدح حشاك من الأسى بزناد
واندب إماما طاهرا هو سيد *** للساجدين وزينة العباد
ما أبقت البلوى ضنا من جسمه *** وهو العليل سوى خيال بادي
ملقى على النطع الذي فوق الثرى *** ألقوه منه بقسوة وعناد
يرنو لأيتام تضج أمامه *** وتعج إعوالا وراء الحادي
ولصبية تدمي السياط متونها *** فتصاغ أطواقا على الأجياد
ولنسوة فوق النياق حواسر *** تسبى بأسر أراذل وأعادي
ويرى جبين السبط بدرا كاملا *** يزهو بأفق الذابل المياد
والنار يلهب في الخيام سعيرها *** حتى استحال ضرامها لرماد
لهفي عليه يئن في أغلاله *** بين العدى ويُقاد بالأصفاد
مضنى وجامعة الحديد بنحره *** غل يعاني منه شر قياد
تحدو به الأضغان من بلد إلى *** بلد وتسلمه إلى الأحقاد
والشام إن الشام أفنى قلبه *** ألما وآل بصبره لنفاد
لم يلق فيه سوى القطيعة والعدى *** وشماتة الأعداء والحساد
سل عنه طيبة هل بها طابت له *** بعد الحسين نواظر برقاد
هل ذاق طعم الزاد طول حياته *** إلا ويمزج دمعه بالزاد
أودى به فجنى وليد أمية *** وهو الخبيث على وليد الهادي
حتى قضى سما وملأ فؤاده *** ألم تحز مداه كل فؤاد
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم