من ادب الطف...7 (كربلا لا زلت كرباً وبلا) الشريف الرضي

الأربعاء 26 أغسطس 2020 - 07:33 بتوقيت غرينتش
من ادب الطف...7  (كربلا لا زلت كرباً وبلا) الشريف الرضي

حسينيات-الكوثر: في عام (359هـ) كانت بغداد على موعد مع ولادة نجم لامع في سماء الأدب العربي شعَّ على دجلتها فتلألأ ماؤها بنوره وتنسّم هواؤها بنفحاته فقد احتضنت أرض بغداد مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة وإماماً من أئمة العلم والأدب، هو الشريف الرضي، السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم المجاب بن موسى الكاظم عليه السلام .

كان الشريف أبيَّ النفس عالي الهمّة سمت به عزيمته إلى معالي الأمور، كان عفيفاً إلى الحدّ الذي أنه لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة, وقد عاصر حكام بني العباس وأمارة بني بويه.

للشريف الرضي خصال نادرة قلّما تتجمع عند إفذاذ الرجال ومن يطلع على المناصب التي تولاها في حياته يجد ما تتمتع به شخصيته من المؤهلات العلمية والنفسية الكريمة فقد تولّى نقابة الطالبيين وإمارة الحج والنظر في المظالم وهو في عمر (21) سنة،

استاذ الشريف الرضي

تتملذ على يد كبار علماء عصره ومنهم الشيخ الأكبر (المفيد) محمد بن النعمان الذي كان أستاذه وأستاذ أخيه الشريف المرتضى (علم الهدى).

ورد في (الدرجات الرفيعة) ص(459) ما نصه: (كان الشيخ المفيد رأى في منامه فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخلت اليه وهو في مسجد بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام) صغيرين فسلّمتهما اليه وقالت له: علمهما الفقه! فانتبه متعجّباً من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها (علي المرتضى ومحمد الرضي) صغيرين فقام إليها وسلّم عليها فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليها المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله تعالى عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر).

للسيد الشريف الرضي قصيدته الالفية المشهورة (كربلا لا زلت كرباً وبلا) التي اسقط فيها عصارة روحه، معبرة عن الألم والحزن العميقين، والتي عبر عنها الادباء باسم نشيد الطف:

 

كربلا لا زلت كرباً وبلا   ***   مالقي عندكِ آل المصطفى

 

كم على تربكِ لما صرِّعوا   ***   من دمٍ سالَ ومن دمعٍ جرى

 

كم حَصان الذيل يروي دمعُها   ***   خدَّها عند قتيلٍ بالظما

 

تمسحُ التربَ على أعجالِها   ***   عن طُلى نحرٍ رميلٍ بالدما

 

وضيوف لفلاةٍ قفرةٍ   ***   نزلوا فيها على غير قِرى

 

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا   ***   بجدى السيف على ورد الردى

 

تكسف الشمس شموساً منهم   ***   لا تدانيها ضياءً وعلا

 

وتنوش الوحش من أجسادِهم   ***   أرجل السبق وإيمان الندى

 

ووجوهاً كالمصابيح فمن   ***   قمرٍ غابَ ونجمٍ قد هوى

 

يا رسول الله لو عاينتهم   ***   وهم ما بين قتلى وسبا

 

من رميضٍ يمنع الظل ومن   ***   عاطشٍ يُسقى أنابيبَ القنا

 

ومسوقٍ عاثرٍ يسعى به   ***   خلف محمولٍ على غير وطا

 

لرأت عيناكَ منهم منظراً   ***   للحشى شجواً وللعين قذى

 

ياقتيلاً قوّض الدهر به   ***   عمدَ الدين وأعلام الهدى

 

قتلوه بعد علمٍ منهم   ***   إنه خامس أصحاب الكسا

 

وصريعاً عالج الموت بلا   ***   شد لحيين ولا مد ردى

 

غسلوه بدم الطعن وما   ***   كفنوه غير بوغاء الثرى

 

كيف لم يستعجل الله لهم   ***   بانقلاب الأرض أو رجم السما

وبقي مشهد يوم الطف يتجلى في إحساس الشريف فيهز كيانه ويملأ عينيه بالدموع وتفيض روحه الماً وحسرة حتى فاضت تلك الروح الطاهرة إلى بارئها في يوم (الأحد 6 محرم سنة 406هـ) ودُفن في داره الكائنة في الكرخ قرب مرقد جده الامام موسى الكاظم (عليه السلام) ثم نقل جثمانه إلى كربلاء، حيث (بنو إبراهيم المجاب) قطنوا حائر الحسين (عليه السلام) واتخذوا تربته مدفناً لهم.

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم