شنكر كشف عن ثلاث نقاط على درجة كبيرة من الأهمية يمكن أن تسلط الأضواء ليس على جذور الأزمة المتفاقمة حاليا، وإنما تطوراتها المستقبلية المحتملة:
الأولى: أن رياض سلامة حاكم مصرف لبنان منذ عام 1993 تعاون بشكل جيد مع وزارة الخزانة الأميركية ولسنوات على صعيد قضايا العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية وإقفال حسابات تابعة "لحزب الله".
الثانية: أن العقوبات الأميركية كان لها تأثير حقيقي لشل قدرات "حزب الله"، وجعل إيران ترسل أموالًا أقل له.
الثالثة: لا بد من إجراء "إصلاحات" تجعل لبنان في موقع يسمح له بتلقي مساعدات من مؤسسات مالية ودولية، وعليه أن يثبت أنه قادر على اتخاذ قرارات صعبة مثل إصلاح قطاع الكهرباء، وإصلاح الجمارك والبدء في جمع الضرائب.
***
ما يمكن استنتاجه من زبدة هذه التصريحات للمسؤول الأميركي أن قوة السيد رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، لا تعود إلى دعم بعض القوى والأحزاب اللبنانية الطائفية الفاسدة، وإنما من الولايات المتحدة الأميركية مباشرةً التي تعاون معها لتضييق الخناق المالي على "حزب الله"، وإغلاق جميع حساباته والمقربين منه بحجة دعم الإرهاب، وربما هذا ما يفسر تصريحات السيد نعيم قاسم، نائب أمين عام الحزب، التي أشار فيها بإصبع الاتهام وللمرة الأولى بهذا الوضوح إلى السيد سلامة باعتباره يتحمل المسؤولية إلى جانب آخرين، عن انخفاض الليرة اللبنانية إلى معدل قياسي غير مسبوق.
تصريحات شنكر تؤكد، ودون أي مواربة، أن الولايات المتحدة هي التي تقف بشكل مباشر أو غير مباشر، خلف حالة عدم الاستقرار التي تسود لبنان حاليا عبر بوابة البنك المركزي اللبناني، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية إلى حوالي 4200 مقابل الدولار، أي بأكثر من ألف ليرة فوق السعر الرسمي.
خسارة الليرة اللبنانية نصف قيمتها منذ تشرين أول (أكتوبر) الماضي جاء في إطار خطة أميركية مدعومة من قوى داخلية، لإضعاف القيمة الشرائية للمواطن اللبناني، وزيادة التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي يدفع بالمواطنين الذين فقدوا مصادر رزقهم، وهم الأغلبية الساحقة، للنزول إلى الشوارع بصورة مدنية قبل الانتقال إلى العنف والصدامات الدموية، مما يشعل فتيل الحرب الأهلية في نهاية المطاف بطريقة أو بأخرى.
شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي، يتجنب قول الحقيقة عندما يشترط إقدام الحكومة اللبنانية على إصلاحات صعبة في قطاع الكهرباء والجمارك والضرائب، فالإصلاحات التي يريدها هو نزع سلاح "حزب الله"، وإنهاء المقاومة، وتأمين الحدود بشكل نهائي مع فلسطين المحتلة، ويلجأ وحكومته إلى تأزيم الوضع الاقتصادي في لبنان للوصول إلى هذا الهدف بمساعدة أحزاب لبنانية.
محاولة اغتيال أربعة من قادة "حزب الله" بصواريخ طائرة مسيرة قرب الحدود السورية اللبنانية، وشن الطائرات الإسرائيلية ثلاث هجمات عدوانية على أهداف في جنوب دمشق في أقل من أسبوع لقواعد يقال أنها لحزب الله وإيران ومن الأجواء اللبنانية، كلها لا يمكن التعاطي معها بمعزل عن تصعيب الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
المطلوب رأس المقاومة اللبنانية وباستخدام كل الأسلحة، وحزب الله على وجه التحديد، خاصة مع اقتراب الذكرى العشرين للانتصار الكبير (25 أيار) لهذه المقاومة على العدو الإسرائيلي، وتحرير جنوب لبنان، وإجباره على "الهروب" دون شروط اعترافًا بالهزيمة.
***
لا نعتقد أن هذه المؤامرة الأميركية الإسرائيلية ستمر، وستنجح في تحقيق أهدافها، رغم القوى الداعمة لها من داخل لبنان وخارجه، لأن المقاومة أقوى من أي وقت مضى، وانتصرت في جميع مواجهاتها المسلحة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي، وأدارت، وتدير الأزمة، سواءً داخل لبنان أو المنطقة، بكفاءة عالية، عنوانها الحوار وضبط النفس، وكظم الغيظ، والعض على النواجز، ولكن إلى حين، ورصيدها الشعبي اللبناني، والعربي والإسلامي يتصاعد، وسيتضاعف عدة مرات إذا حانت ساعة المواجهة الكبرى والحاسمة.. والأيام بيننا.
* عبد الباري عطوان - راي اليوم