انهيار تاريخي.. هكذا وصفت وسائل الإعلام العالمية تراجع أسعار النفط الأمريكي بعد أن انخفض سعر الخام لديها لأقل من صفر دولار للبرميل، وهو مستوى متدن جدا لم يشهد التاريخ له مثيلا.
فمع إغلاق التعاملات النفطية أمس بلغ سعر البرميل خام غرب تكساس تحت الصفر قبل أن يعود مع إفتتاح الأسواق الآسيوية إلى ما فوق الصفر بقليل.
هذا السقوط الكبير في الأسعار -كما يرى مراقبون- يعود إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على تخزين النفط المستخرج بسبب تراجع الطلب على النفط الذي سبّبه تفشي جائحة كورونا وتعطل معظم القطعات الإقتصادية حول العالم.
أول ردود الأفعال الأمريكية جاءت من الرئيس ترامب الذي حاول ترميم الاضرار المدمرة التي نتجت عن هذا الانهيار والظهور بمظهر الواثق من نفسه.. حيث اعتبر هذا الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط بأنه قصير الأجل وناجم عن ضغوط مالية لافتاً إلى أن إدارته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية كما أشار إلى أن إدارته تعتزم أيضا زيادة مستوى مخزون النفط الخام لحالات الطوارئ في البلاد مع هبوط الأسعار.
وبهذا الشكل لم يستبعد الخبراء أن يضغط ترامب بقوة على السعودية لتنفيذ مزيد من التخفيضات أكثر من تلك التي جرى الاتفاق عليها قبل أيام بين المنتجين الكبار في أوبك بلاس.
يرى المراقبون أن السبب الرئيس في إنهيار أسعار النفط الأمريكي إضافة إلى جائحة كورونا هو ترامب نفسه.. فترامب هو من طلب في بداية أزمة إنهيار أسعار النفط من المملكة العربية السعودية بأن تغرق الأسواق بالنفط في حربها النفطية الحمقاء ضد روسيا بعد أن فشلت الأخيرة في الإتفاق حول خفض الإنتاج داخل مجموعة أوبك بلاس.. وترامب هو نفسه الذي قال بتبجح أن انخفاض أسعار النفط أمر يروق له حيث كان يريد حينها أن تنزل الأسعار لأن ذلك سيعيد شركات النفط الصخري الأميركي بقوة إلى السوق وستكون ضمن المصدّر الرئيس للنفط في العالم وبالتالي فإن ترامب يحافظ بهذا الشكل على هذه الشركات والوظائف وكذلك على الناخب الأمريكي الذي يهمه كثيراً أن تكون أسعار النفط والبنزين وغيرها منخفضة في عام ترامب الإنتخابي.
فاللعبة بدأها ترامب نفسه إلا أنه فقط السيطرة عليها عندما لم تستجب روسيا للضغوط السعودية وقامت بزيادة إنتاج النفط وهو ما أثر إلى جانب جائحة كورونا وتوقف جزء كبير من الإقتصاد العالمي على أسعار النفط وجعلها تنهار بهذه الشالكة رغم من الإتفاق الذي حدث في أوبك بلاس.
لقد كنا نتحدث في السابق عن سعي ترامب إلى تعرية أعداءه لكن الذي حدث أن جائحة كورونا جاءت لتعري ترامب ونظامه الليبرالي بكل أبعاده.. فلقد رأينا كيف أن الكثير من دول العالم الثالث تفوقت على من تسمي نفسها دولاً كبرى في الحرب على كورونا، حيث ضلت هذه الدول الصغيرة محافظة على كيانها وهيبتها.. بينما الدول الكبرى -بين هلالين- فقدت في ظل كورونا نظامها الصحي والإجتماعي والأخلاقي والسياسي وأخيراً توجت إنهياراتها بالإنهيار الإقتصادي أيضاً.