إجماعٌ كاملٌ وغير مسبوقٍ، بين القوى السياسية والكتل الرئيسية في البرلمان العراقي، حَظيَ به تكليفُ رئيس جهاز المخابرات الوطني، مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة، بعد اعتذارِ "عدنان الزُرفي" عن هذه المهمة.
قضية تکليفِ رئيس الوزراء العراقي بتشكيل الحكومة، شهدت خلال الأشهر الأخيرة، الكثير من التقلُباتِ والتغييرات، وبالتالي فإنَّ تثبيتِها في شخصية الکاظمي، أثبتَ أن الدستورَ العراقي، مازال يحظی بالاحترام، وأن الخضوعَ للدستور، هو سيدُ الموقف، وإنَّ تأكيدَ القيادات العراقية، على أن الأمورَ عادت إلی مجراها القانوني والطبيعي، يصبُ في هذا الإتجاه.
المجرى القانونيُ والطبيعي الذي تحدَثت عنهُ القياداتُ العراقية، والذي قامت عليه العمليةُ السياسية في العراق، يتجسَدُ -كما يبدُو- في حقِ الأكراد في إنتخابِ رئيسِ الجمهورية، وحقِ السُنة في إنتخاب رئيس البرلمان، وأخيراً حقُ الشيعةِ في إنتخابِ رئيساً للوزراء، ومن هنا فإنَّ ترحيبَ الأکرادِ وأهلَ السُنةِ بالإتفاق على "الكاظمي" يُؤکدُ ضرورةَ التزامِ الجميعِ بهذه الحقوق.
وبالتالي.. لم يعُد هناك مجالٌ للتصريحات والخُططِ والدَسائِسِ التي أُثيرت مؤخراً، من خارج العراق، ودُعمت من قِبَلِ أطرافٍ داخليةٍ مشبوهةٍ، حولَ تقسيمِ العراقِ إلى مناطق وأقاليمَ مُختلفةٍ .. فالتأييدُ الكامل للقيادات العراقية، بكُردِها وسُنتِها، للتكليف الجديد، والإعلانُ عن إجماعٍ غيرَ مسبوقٍ في البيتِ الشيعي، حولَ هذا التكليف، شَکَّل في الواقع کَبحاً لِجِماحِ التآمُرِ الجديدِ على العراق وعلى أهلِ العراق.
إذاَ.. تكليفُ "مصطفى الكاظمي" يأتي في وقتٍ تُواجِهُ الحكومةُ القادمةُ عدةَ تحديات.. أهمُها: وباءُ كورونا، وسُبلَ مُكافَحتِه والحدُّ من إنتشارهِ في العراق، والإنتخاباتُ البرلمانيةُ المُبَكِّرةُ وتنفيذُ مطالبِ المتظاهرينَ، والمطالبةُ بإنسحابِ القواتِ الأمريكيةِ من البلاد.
إن تکليفَ الكاظمي في الأيامِ التي تُصادِفُ الذكرى السابعةَ عشرةَ لإحتلالِ العراق من قِبلِ أمريکا، لا يَخلو مِن الحِکمةِ بالتأكيد. إنَّهُ يَحمِلُ رسالةً تقول: إنَّ تأمينَ الاستقلاليةِ في العراق، والحِفاظِ عليَها، بعيداً عن تدخُل القواتِ الأجنبيةِ لاسيما أمريکا، يَتصدرُ قائمةَ المَطالِبِ الشَعبيةِ الإصلاحية.
رسالةٌ أخرى بخصوصِ الإحتلالِ، ومُوجَهةً إلى الحكومة العراقية القادمة، جاءَت على لسانِ قياداتِ الحشدِ الشعبي في العراق، التي طالبت الحكومة الجديدة، بالألتزامِ بقرارِ الشعبِ العراقي، والبرلمان العراقي، بطرد القوات الأميركية من البلاد، واصفةً الإنسحاباتِ الأميركيةِ من قواعدَ ومقارٍ عسكريةٍ، بأنَّها عمليةُ إعادة إنتشار، ليست إلا، لكنها أيضاً دليلُ ضعفِ القواتِ الأمريكيةِ وتَراجُعِها أمام ضرباتِ المُقاومة.
ضيوف الحلقة:
د. حسين رويوران - كاتب ومحلل سياسي
د. جمعة العطواني - رئيس مركز افق للتحليل السياسي