قراءة في المشهد اليمني في ظل استمرار العدوان السعودي - الإماراتي وتفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في العالم:
دخل العدوان على اليمن عامه السادس، وخلال الخمس السنوات المنصرمة من زمن العدوان، عمل المُعتدون على تدمير البنية التحتية عبر تدمير المنشآت والمصانع والمشاغل الخاصة والعامة كما أنه دمّر الجسور والجامعات والمعاهد الفنية والمدارس والجوامع ونُزل العمال وإصلاحيات المساجين وحتى مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، كما عَمَد على تدمير المطارات والموانئ وإغلاقها، حيث تم إغلاق مطار صنعاء الدولي منذ أربعة سنوات في وجه المسافرين المدنيين والمرضى والطلاب ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين وغيرهم من شرائح المجتمع، وتم تدمير المدن والآثار التاريخية في العديد من المواقع الأثرية وحتى المدن التاريخية المأهولة وحتى مشاريع المياه والصرف الصحي لم يسلم هو الآخر من عدوان طائراتهم ولا صواريخهم.
نشاهد في وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية الهلع الكبير في العواصم الأجنبية والعربية جرّاء اجتياح الفيروس وتحول الموضوع إلى الخبر الإعلامي الأول في جميع القنوات الفضائية، إنها بحق مصيبة حلت على العالم أجمع، وجاهزيته لمواجهة هذه الجائحة ضعيف في مُعظم البلدان الغنية منها والفقيرة، والملاحظ أنها كثرت التأويلات الإعلاميةٍ بشأن هذا الحدث ونتائجه القريبة والبعيدة على الشعوب والدول واقتصاداتها وغيره.
إما الحالة المُزرية في اليمن المُحاصر مُنذ العدوان السعودي - الإماراتي على الشعب اليمني هي أكثر بشاعة ومأساوية، وأنها حالة لا توصف وأكثر بكثير من ما يتعرض له العالم اليوم، وقد سردناها في اكثر من مناسبة، وقلنا للعالم ومنظماته الإنسانية أن تفهمنا وليس بالضرورة أن تتعاطف معنا أو تشفق علينا، لأننا أصحاب قضية وحق ونقاوم الأعداء عن حدودنا وحاضرنا ومستقبلنا واستقلال قرارنا، لكن هذا العالم الأصم لا يريد إلاّ أن لا يسمع سوى صدى صوت مصالحه الأنانية، وأنه راغب باستمرار الحرب العدوانية لأنها توفر لهم فرص عمل يومية وشهرية مستمرة لمصانع أسلحتهم وذخائرها الفتاكة، أي أن الموضوعية في قول الحق للإنسان معدوم ويتم التستر على جرائم العدوان لأنها تتسق مع سياساته ومصالحه الأنانية القذرة.
إذا ما عرف العالم اجمع بأن هناك 20 مليون مواطن يمني يعانون من انعدام تام لسبل معيشتهم اليومية (قوتهم اليومي) بسبب العدوان والحصار، وهذه أرقام المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن التي صوروها وسماها بأنها أسوء كارثة ومأساة إنسانية يعاني منها الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.
ماهي الأسباب الموضوعية لظهور الأمراض والأوبئة والمجاعة في اليمن جراء العدوان على النحو الآتي:
أولاً: إغلاق الأجواء والموانئ في اليمن في محافظاتها الحرة وعدم السماح للمواطنين بالسفر إلاّ عبر مطارات عدن وسيئون، وهذان المطاران يبعدان زمنياً عن العاصمة صنعاء في المتوسط قرابة عشرين إلى ثلاثين ساعة، كيف يمكن لنا أن نتصور بتحمل المسافر المريض والشيخ والطفل لهذه المدة الطويلة بالسفر في ظل الأوضاع غير الطبيعية للبلد جرّاء الحصار والعدوان.
ثانياً: تم تدمير العديد من المنشآت الصحية من مستشفيات ومراكز صحية ومراكز إيواء التي تم قصفها بواسطة الطائرات المُعتدية وإخراج العديد منها عن خدمة المرضى.
ثالثاً: تم قصف وتدمير المنشآت التابعة لوزارة المياه والبيئة كخزانات المياه والآبار ومواقع الصرف الصحي مِما اثر على دور هذا القطاع الحيوي في حياة المواطنين.
رابعاً: انقطاع رواتب الموظفين في القطاع الصحي وكذا في قطاع الخدمات المتصل بحياة المواطنين مما عكس ذاته على الوضع المعيشي والخدمي لجموع الموظفين في الأجهزة التي تتصل بتقديم الخدمات الصحية المباشرة وغير المباشرة لجموع الناس.
خامساً: تم إغلاق مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة التي تخدم قرابة 85% من سكان الجمهورية اليمنية، مما اثر سلباً على وصول الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية وهذا بدوره انعكس على مدى تقديم الخدمات للمدنيين من المواطنين.
سادساً: يتذكر العالم بأن هناك أوبئة وجائحات من نوع أمراض الكوليرا والدفتريا والبلهارسيا قد مرت على اليمن في سنوات العدوان وحصدت منهم الكثير ولكن قادة العالم تعامل معها بروح الاستخفاف والتبسيط وكأن ضحايا تلك الأوبئة بشر من نوع آخر.
من خلال استعراض النقاط سالفة الذكر تكون السعودية والإمارات هي المتسبب الأول في كل تلك المعاناة التي يتعرض لها قرابة 30 مليون مواطن يمني، يتم وضع كل تلك العراقيل أمام معيشتهم وحياتهم الاعتيادية، فالعدوان يشن مئات آلاف من الغارات الجوية ويرسل أزيد منها كصواريخ أرض-أرض وكذلك يوجه صواريخه من بوارجه الحربية الملاصقة بمياهنا الإقليمية.
كيف سيفهم المواطن اليمني البسيط التعليمات التثقيفية الإعلامية لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اليمنية حول غسل اليدين بالماء والصابون لمدة عشرين ثانية وهو لا يجد الماء النظيف الصالح للشرب؟!!.
كيف سيفهم أن معنى العزل الاجتماعي الطوعي أو القسري وهو الذي يحاول أن يقي ذاته من هجوم الطائرات المٌعتدية التي لم تتوقف حتى لحظة كتابة اسطر هذه المقالة؟!!.
كيف سيفهم ومُعظم الشباب العمال الذين يعملون بالعمل اليومي لكسب قوت يومهم بسبب قطع رواتب الموظفين في الجهازين المدني والأمني والعسكري التقاعدي؟!!.
هذه التساؤلات السهلة تقابلها إجابات صعبة ومعقدة إذا ما عرفنا أن خمس سنوات عجاف من سيطرة (الجائحة) السعودية -الإماراتية على اليمن وهي المتسبب الرئيسي في كل مأساة اليمن من أقصاه إلى أقصاه، والعالم يعرف ذلك الوجع الذي يكابده شعبنا لكن المعضلة بأن دول العدوان غنية وتعد مصدر هام لاستيراد الأسلحة بأنواعها وهي بلدان تعد من الملاذات الاستثمارية الآمنة للتهرب الضريبي من البلدان الصناعية في كلٍ من أميركا وأوروبا، ولهذا فالعدوان على اليمن هو مصدر استثماري هام لتلك البلدان.
لقد تابعنا حديث ملك المملكة السعودية في قمة الدول العشرين ذات الاقتصادات القوية، استمعنا إليه وهو يقول لقادة البلدان العشرين وعبر نظام (فيديو كونفرنس) بأنه سيقدم المساعدات المالية لموجهة جائحة فايروس كورونا على مستوى العالم، لكنه تناسى وبحكم سنه المتقدم بأن مملكته المتوحشة تُمارس القتل شبه اليومي بحق الشعب اليمني مُنذ خمس سنوات والنتيجة من ذلك العدوان هو إهدار دماء وأرواح اليمانيين ويستنزف طاقاتهم وإمكاناتهم، وتناسى بأن الرأي العام العالمي قد أدان وبشدة ذلك العدوان الذي تحول إلى نزيف أخلاقي وديني وإنساني لقائدة تحالف دول العدوان ضد اليمن.
الخلاصة: إن اكثر المتابعين النجباء للوضع العام في العالم على صعيد الأزمات الإنسانية، يدركون إنه لا فرق بين ما تُحدثه جائحة فايروس كورونا على مستوى العالم، وجائحة العدوان السعودي - الإماراتي على اليمن، فكِلا الجائحتين تسببتا في قتل الآلاف وربما مئات الآلاف من المواطنين الآمنين، إن كانوا هؤلاء في روما أو في مدينة ووهان أو العاصمة مدريد أو العاصمة برلين أو في مدينة نيويورك أو العاصمة باريس أو العاصمة بروكسل أو في العاصمة اليمنية صنعاء وبقية مدنها المتأثرة بجائحة العدوان، هذه هي الحقيقة المُرّة التي لا يريد قادة العالم للأسف فهمها واستيعابها ولا يريدوا معها التعامل بحزم لإيقاف العدوان، وما لم يتوقف هذا العدوان الوحشي ويرفع معها الحصار ستطول جائحة السعودية والإمارات على الشعب اليمني الصابر المقاوم، والله أعلم مِنّا جميعاً، وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم.
د.عبدالعزيز بن حبتور - رئيس حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية