كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تأمل أن يُخلد عام 2019 بوصفه «عام التسامح» في الدولة، ورغم كونها بلداً محافظاً نسبياً، وفي منطقةٍ لا تُعرف بالانفتاح، كانت لدى رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد الثقة ليضع التسامح في واجهة وقلب فعاليةٍ جرت في ديسمبر/كانون الأول 2018.
إذ كانت لخطة الشيخ خليفة خمسة أهداف، تُركز على توعية المواطنين بالتنوع والحرية الدينية بالإضافة إلى بذل الحكومة المزيد من الجهود الرامية نحو التحديث، وكانت الخطة هائلةً، وتضم مشاريع مرئيةً للعيان داخل دولة الإمارات.
غطت شركة طيران الإمارات المملوكة لحكومة دبي طائرةً بشعار «عام التسامح»، وزين شعار عام التسامح أشجار عيد الميلاد في ديسمبر/كانون الأول في أبوظبي، وفي دبي أصبح جسر عام التسامح مزاراً سياحياً.
أحداث سلبية هدمت الفكرة
غير أن دولة الإمارات كانت مسرحاً لمجموعةٍ من الأحداث السلبية البارزة التي وقعت في 2019، وكانت آثارها كفيلةً بهدم أي فائدة جنتها الدولة من المشروع محلياً، كان من شأن هروب الأميرة هيا، زوجة رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد في يوليو/تموز، أن يسلط الضوء على الملف الحقوقي البائس في الدولة.
إذ إن فعاليات مثل افتتاح أول معبدٍ هندوسي في دبي، وأول زيارةٍ في التاريخ من قداسة بابا الفاتيكان للبلاد في فبراير/شباط، بدت في غاية السطحية بالمقارنة مع قمع المعارضين والنشطاء وانتهاك حظر تسليحٍ مفروضٍ من الأمم المتحدة.
مطالبات بإطلاق سراح أحمد منصور
حُكم على الناشط الحقوقي أحمد منصور بالسجن لعشر سنواتٍ وغرامةٍ قدرها مليون درهمٍ (272 ألف دولارٍ) لانتقاده الحكومة عام 2017، وانتقد مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 لاستمرار حبس منصور.
وحث المكتب الإمارات على «إطلاق سراح منصور فوراً ودون شروط وعلى ضمان ألا يعاقَب المواطنون لتعبيرهم عن آراء مناهضةٍ للحكومة أو لحلفائها».
يعد منصور واحداً من عشرات الأصوات المنتقدة للحكومة، التي اختفى أصحابها قسراً، أو كُممت أفواههم، أو اعتقلوا في الإمارات العربية المتحدة، وتُصنف منظمة Freedom House غير الحكومية الإمارات على أنها «تملك أحد أكثر القوانين القمعية بحق الصحافة في العالم العربي».
كان منصور قد دخل في إضرابٍ عن الطعام في أبريل/نيسان 2019 اعتراضاً على المعاملة غير العادلة والظروف التي يعيش فيها. ولا يزال منصور مُضرباً عن الطعام حتى وقت نشر هذا المقال.
«التوازن بين الجنسين» في دبي
في وقتٍ مبكرٍ من شهر يناير/كانون الثاني 2019، عقدت حكومة دبي احتفالها السنوي لتوزيع جوائز «التوازن بين الجنسين»، وفاز الرجال بجميع الجوائز، ولم تفوت وسائل الإعلام الغربية تسليط الضوء على المفارقة. كانت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وصحيفة The Washington Post، وصحيفة The New York Times، وصحيفة The Guardian، من بين الصحف التي نشرت انتقادات موجهة لنتائج إعلان الفائزين.
وحين سأل موقع Business Insider مجلس التوازن بين الجنسين عن عدم وجود أية فائزات من النساء قال: «خلال النسخة الثانية من الحفل صادف أن كل الكيانات الفائزة بالجوائز كانت كيانات يقودها رجال»، وتابع: «ذلك دليلٌ على التقدم الاستثنائي والعظيم الذي حققته البلاد، حيث يعمل الرجال في الإمارات بشكل استباقي بجانب النساء لتحقيق التوازن بين الجنسين بوصفه أولويةً قوميةً».
وبرغم الإخفاق العلني، تظل الإمارات في واقع الأمر واحدةً من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في مجال التوازن بين الجنسين، وفقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة.
بريطانيٌ يتعرض للضرب والاحتجاز لارتدائه قميص منتخب قطر
في يناير/كانون الثاني، هاجم فرد أمن إماراتي رجل الأمن السوداني البريطاني علي عيسى أحمد لارتدائه قميص المنتخب القطري في مباراة كرة قدم في الإمارات، وفقاً لجماعة «محتجزون في دبي» الحقوقية.
أبلغ أحمد السلطات المحلية بالواقعة، لكنهم اتهموه بتلفيق إصاباته، واعتقلوه، ويُعد من غير القانوني إظهار التضامن مع قطر في الإمارات، في ظل انخراط الدولة في خلافٍ سياسي مع قطر، بزعم دعمها للإرهاب.
وقال النائب العام الإماراتي في يونيو/حزيران من عام 2017 إن أي شخصٍ يُظهر تأييداً لقطر سيواجه حكماً بالسجن يصل إلى 15 عاماً، وبغرامةٍ لا تقل عن 500 ألف درهمٍ (136 ألف دولارٍ)، وفي ذلك الوقت، نشرت صحيفة The Guardian البريطانية أن السلطات الإماراتية قد أقرت احتجازها لأحمد بدعوى «تضييع وقت الشرطة».
وحين سُمح له أخيراً بالعودة إلى المملكة المتحدة في فبراير/شباط، قال لصحيفة The Guardian إنه تعرض للطعن واللكم والحرمان من الطعام والماء لأيامٍ حين كان في السجن، وقال: «كنت متأكداً 100% أنني سأموت في الإمارات».
الإمارات تقرصن هواتف منتقدي الحكومة
في يناير/كانون الثاني كذلك، توصل تحقيقٌ أجرته وكالة أنباء Reuters إلى أن الإمارات كانت تعمل مع مجموعةٍ من خبراء الاستخبارات من الولايات المتحدة من أجل «مراقبة حكوماتٍ أخرى، وميليشيات، ونشطاء حقوقيين في الدولة الملكية»، وكان الفريق الذي ساعد الإمارات يحمل اسم مشروع الغراب.
كانت السلطات الإماراتية تُراقب المنشقين عنها باستخدام أداةٍ تقنيةٍ متطورةٍ تُسمى Karma تستخدمها للولوج إلى البيانات على هواتف آيفون، وهي أداة تحتاج لتفعيلها أن يضغط المُستخدم على أحد الروابط.
وقال مسؤولٌ تنفيذي سابقٌ في مشروع الغراب للوكالة إن تلك الأداة يُمكنها أن توفر ولوجاً إلى هواتف آيفون ببساطةٍ بمجرد تحميل رقم الهاتف أو البريد الإلكتروني إلى نظام استهدافٍ آلي التشغيل، وخلال السنوات التي تلت الربيع العربي، فرضت الإمارات قيوداً على المنشقين والنشطاء الذين ينتقدون حكومتها على الإنترنت، مُعتقلةً العشرات منهم خلال العقد الماضي.
اعتقال امرأةٍ بسبب منشورٍ على فيسبوك
في مارس/آذار ضجت وسائل الإعلام بقصة أم بريطانيةٍ اعتُقلت في دبي لوصفها زوجة طليقها بأنها «حصان» في منشورٍ على فيسبوك نشرته عام 2016، وأُوقفت لاله شارافش وابنتها المراهقة عند وصولهما إلى دبي لحضور جنازة طليقها الذي كان يُقيم هناك.
وتذرعت السلطات بقانون الجرائم الإلكترونية في البلاد الذي سُن للحد من التحرش عبر الإنترنت، وتوعدتها بالسجن لمدة عامين وتغريمها 65 ألف دولارٍ، وأنفقت الأم العزباء كل مدخراتها على إقامتها في غرفةٍ في فندقٍ بدبي فيما كانت تنتظر محاكمتها، حتى أُطلق سراحها أخيراً في منتصف أبريل/نيسان بعد أن دفعت غرامةً قدرها 800 دولار.
تقول رادها ستيرلينغ، المديرة التنفيذية لجماعة «محتجزون في دبي» الحقوقية، إن الحادثة تُمثل سابقةً خطيرةً، وقالت في بيانٍ: «كل من يُمارس حرية التعبير عن رأيه وهو يعيش، أو يزور، أو حتى قد يطأ بقدمه يوماً الإمارات العربية المتحدة يُعد في خطرٍ».
فرار الأميرة هيا، زوجة أمير دبي
في يوليو/تموز، فرت الأميرة هيا زوجة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أمير دبي من الإمارات إلى لندن، ويُقال إنها فرت بطفليها بعدما نمت إلى علمها تفاصيل مقلقة حول اختفاء الشيخة لطيفة عام 2018 إحدى بنات زوجها، الذي يبلغ عدد أبنائه وبناته 21 ابناً وابنةً.
لقيت قضية فرار الأميرة هيا اهتماماً إعلامياً بالغاً وأعادت قصة الأميرة لطيفة إلى الأضواء مرةً أخرى، وكانت الأميرة لطيفة قد حاولت الفرار من حياتها الخانقة في دبي في مارس/آذار 2018، وحينها فرت على يختٍ يقوده جاسوسٌ فرنسي سابقٌ، لكنها أُوقفت بعد أسبوعين قرب السواحل الهندية وأُعيدت إلى دبي، ووفقاً لحقوقيين، لا تزال محتجزة الآن. ولم تُر في أي محفل عام منذ ذلك الوقت.
كانت تلك الواقعة كارثةً على مستوى العلاقات العامة في دبي، وحسبما كتبت رولا خلف، المحررة في صحيفة Financial Times في مارس/آذار هذا العام، فإن فرار الأميرة لطيفة «تصدر العناوين حول العالم أكثر مما فعلت أية اتفاقية أعمال وقعت في دبي».
الإمارات تُكرم مودي رغم الاحتلال الوحشي لكشمير
في أغسطس/آب، أعلنت الإمارات أنها ستمنح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي «وسام زايد»، أعلى وسامٍ مدني لديها، وكانت حكومة مودي قد أنهت 70 عاماً من الحكم الذاتي لإقليم كشمير، فقطعت الاتصال بالإنترنت، واعتقلت المحتجين، وشنت حملةً واسعةً من الاعتقالات بحق أبرز الرموز السياسية.
وكما فعلت بتجاهل قمع مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني، التزمت الامارات الصمت حيال مصير مئات آلاف المسلمين الذين يتخذون من كشمير موطناً لهم، ونجحت الإمارات في إبعاد نفسها عن القضية واصفة إياها بأنها «شأن داخلي».
كانت وكالة The Associated Press قد أشارت في أغسطس/آب إلى أن منطقة الخليج الفارسي لديها حجم تجارةٍ سنوي مع الهند يبلغ نحو 100 مليار دولارٍ،
الإمارات تُتهم بإمداد ليبيا بالسلاح في خرقٍ للحظر
في نوفمبر/تشرين الثاني، اتهم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الإمارات بتهريب المعدات العسكرية إلى القائد العسكري الليبي خليفة حفتر، وقالت الأمم المتحدة إن الإمارات بذلك تخرق حظر التسليح المفروض من المنظمة، بجانب الأردن وتركيا، وإنها «تهرب الأسلحة بانتظامٍ وبشكلٍ فج، وتبذل أحياناً جهداً ضئيلاً لإخفاء مصدرها».
وقد خُصت إمارة أبوظبي بالذكر بوصفها مشتبهاً به رئيسياً في التحقيقات التي أُجريت في التفجير المُميت الذي وقع في مأوى للمهجّرين في ليبيا، الذي قالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عنه إنه قد يكون جريمة حربٍ، وتوفي في ذلك التفجير 53 شخصاً وأُصيب 130 آخرون.