ففي الوقت الذي يترقب فيه المراقبون السياسيون تقديم رئيس وزراء جديد من قبل الرئيس العراقي "برهم أحمد صالح" عقب استقالة عادل عبد المهدي، يُلاحظ أن هناك نوعاً من عدم الرغبة من جانب تحالف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر في عملية التطورات السياسية في العراق.
لم يُظهر تحالف سائرون كأكبر تحالف في البرلمان، إشارةً إيجابيةً على طريق تشكيل حكومة جديدة حتى الآن. وفي أحدث ردة فعل له، أعلن مكتب "السيد مقتدی الصدر" زعيم التيار الصدري عبر بيان له في 14 ديسمبر 2019، أنه سيتم إغلاق جميع المؤسسات التابعة له لمدة عام.
ووفقًا للبيان الصادر عن مكتب الصدر، يستثنی من ذلك مؤسسة إدارة ضريح الشهيد "السيد محمد صادق الصدر" و"سرايا السلام"، اللتين ستواصلان العمل.
السؤال المطروح الآن هو، لماذا اتخذ مقتدى الصدر مثل هذه الخطوة في الظروف الحالية؟
على الرغم من أن التيار الصدري لم يعلن بعد عن سبب هذا الإجراء، إلا أنه يمكن تحليل ذلك وتقييمه على مستويين.
عندما يعلم الصدر أن الاحتجاجات في طريقها إلی الفوضى
في البداية من الضروري الانتباه إلى أن الشخصيات السياسية العراقية، وفي مقدمتهم مقتدى الصدر، الذين دعموا المتظاهرين بالکامل، قد أدركوا تدريجياً أن الاحتجاجات الشعبية المشروعة في طريقها إلى أن تصبح فوضويةً، بسبب الأيدي المخفية من وراء الكواليس وتدخُّل الجهات الأجنبية الفاعلة.
واللافت في هذه الأثناء أن إغلاق المؤسسات التابعة للتيار الصدري، يأتي في حين أن السيارة التي کانت تقل نجل "جعفر الموسوي" المتحدث باسم التيار الصدري، تعرضت لاستهداف من قبل مسلحين مجهولين في أحد أحياء بغداد.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت ساحة "الوثبة" في الأيام القليلة الماضية، إعداماً مرعباً لـ "هيثم علي إسماعيل" البالغ من العمر 16 عاماً، من قبل بعض الذين أطلقوا على أنفسهم أنهم متظاهرون.
کذلك، في 7 ديسمبر 2019، کانت قد تعرضت منطقة "الحنانة" التي يتواجد فيها منزل مقتدى الصدر في النجف الأشرف لهجوم بطائرات مسيرة مجهولة الهوية.
في مثل هذه الظروف، يبدو أن مقتدى الصدر وغيره من الشخصيات السياسية المقربة منه، قد أدركوا أن الاحتجاجات الشعبية في طريقها إلى أن تصبح فوضى.
وعلى الرغم من أن الصدر ربما توقع في البداية بأن قيادة الاحتجاجات قد تفتح المجال لتياره ليصبح أکثر قوةً، ولكن الاتجاه الجديد يدل على أنه وسط الاحتجاجات العنيفة والمتأججة، لا يمكن أن لأي تيار أن يسلم من غضب وكراهية مثيري الشغب والمرتزقة التابعين للجهات الفاعلة الأجنبية.
يبدو حالياً أن الصدر قد أدرك أن استمرار الاحتجاجات ليس في صالح تعزيز المصالح السياسية لتياره، وقد يكون التيار الصدري أحد ضحايا هذه العملية في المستقبل القريب أيضاً.
إعادة النظر في التواجد الشامل في صفوف المحتجين
أحد الأحداث التي كانت مصدر قلق كبير للمؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية في مواجهة الاحتجاجات خلال الشهر الماضي، كان مرتبطًا بوجود قوات "سرايا السلام" (التابعة للتيار الصدري) في صفوف المحتجين.
في الواقع، وبخطوة تهدف ل دعم المتظاهرين، أمر مقتدى الصدر القوات التابعة له بحماية المتظاهرين من القتل المحتمل من خلال الحضور في صفوف المتظاهرين(حسب قوله).
لقيت هذه القضية انتقادات من قبل الأجهزة الأمنية في عدة مناسبات، وقد أعلنت الشرطة العراقية لمقتدى الصدر أن قوات "سرايا السلام" هي التي تقوم بإغلاق الطرق المؤدية إلی الإدارات والمدارس، بدلاً من حماية المحتجين.
الآن وبالنظر إلى التطورات الجديدة في العراق، يبدو أن قوات سرايا السلام والمقربين من مقتدى الصدر، باتوا عرضةً لاستهداف مثيري الشغب ومن يزعمون أنهم متظاهرون.
إن المخلين بالأمن والمندسين في الاحتجاجات لا يعترفون بأي صديق في المجتمع السياسي العراقي، وهدفهم الوحيد هو إذکاء نار الأزمة والاحتجاجات غير السلمية أکثر فأکثر، حتی لا يعود الاستقرار السياسي إلی هذا البلد.
وفي ظل الظروف الجديدة، يبدو أن مقتدى الصدر والقوات التابعة له قد اضطروا إلى الانفصال عن مثيري الشغب في المشهد السياسي للاحتجاجات في الشوارع، وقد يکون إغلاق المقار بدايةً لسحب قوات "سرايا السلام" من صفوف المحتجين.
حالياً، يجب على الجميع قبول حقيقة أن استمرار الأزمة في شكل الفوضی والاضطرابات في العراق، ليس له رابح، بل سيكون الجميع هو الخاسر.
المصدر: الوقت