التاريخ الحديث يثبت بأن جميع حروب أمريكا كانت فاشلة وكان لها ارتدادات سلبية جدا على الداخل الأمريكي، وفي الحقيقة أمريكا هي من اتخذ قراراً بشن هذه الحروب لكنها لم تستطع انهاءها على هواها، واذا أردنا أن نقول الحق، فقد استطاعت واشنطن ان تبث الفوضى والخراب والدمار في جميع الحروب التي شنتها، لكن في جميع هذه الحروب كان السحر ينقلب على الساحر.
أمريكا تنشط اليوم عدائيا في شمال شرق سوريا، وهدفها واضح بهذا الخصوص، حيث ان رئيسها ترامب يقول بأن الهدف الأساسي من غزو شمال سوريا هو "سرقة النفط السوري" الذي يدر ملايين الدولارات شهريا، واستغل ترامب وجيشه انشغال الجيش السوري في تحرير مناطق واسعة على مساحة الأراضي السورية، ووجد ان هذه هي الفرصة المناسبة لغزو سوريا في ظل هذه الفوضى، لكنه لا نعلم إلى متى سوف يبقى قادراً على سرقة نفط سوريا، خاصة وان حرب عصابات تلوح في الافق ضد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا.
حرب العصابات
تشكل حرب العصابات نقطة ضعف كبيرة لأمريكا، لأن جميع الدول التي تعاطت مع واشنطن على هذا الاساس استطاعت ان تنتصر عليها، والأمثلة كثيرة في هذا المضمار، ابتداءا بحرب فيتنام وليس انتهاء بالعراق وافغانستان، واليوم يبدو أن واشنطن ستذوق طعم الخسارة والمرارة والخذلان خلال الفترة القادمة في سوريا، لأن جميع المؤشرات تدل على ان سوريا ستبدأ هذا النوع من الحروب مع واشنطن لاستنزافها واجبارها على الخروج من سوريا.
سوريا لديها نقاط قوة كبيرة في هذا الاتجاه:
أولاً: الجيش السوري أصبح ماهرا في مثل هذا النوع من الحروب، بعد أن خاض حربا عنيفة بجميع أشكالها على كامل أراضيه.
ثانياً: قد لا يضطر الجيش السوري للقيام بهذه المهمة بنفسه، لأن القبائل العربية في شمال شرق سوريا مستعدة للقيام بها، ولانبالغ اذا قلنا انها متشوقة للقيام بذلك، خاصة وان هذه القبائل لديها كره كبير لأمريكا ولديها قوات شرسة مستعدة لبدء هذه المهمة، وقد تكون زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الامن القومي في سوريا إلى القبائل العربية تأتي في هذا الاطار، فبحسب وكالة "رووداو"الكرديّة التي أذاعت النّبأ، التَقى مملوك بحواليّ 20 شخصيّة من قادة ووجهاء العشائر والقبائل العربيّة في المِنطقة "لتفعيل دورها الوطنيّ في حِماية المناطق شِمال شَرق البِلاد، وعدم الانجِرار في دعم المجموعات المُسلّحة بمُختَلف تشكيلاتها" وربّما القصد بهذه المجموعات القوّات الكرديّة والأمريكيّة، والمُوالية لتركيا أيضًا التي قد تتمركَز فيما يُسمّى بالمِنطقة الآمِنة.
وقبل شَهرٍ تقريبا، أعلن الرئيس السوريّ بشار الأسد في حديثٍ مع قناة "روسيا اليوم" إنّه لا يستطيع مُحاربة أمريكا الدّولة العُظمى التي تحتَل قوّاتها آبار النّفط السوريّة شرق دير الزّور، ولكنّه لا يستبعِد أن يتم اللّجوء إلى "قوّات مُقاومة" تشُن حرب عِصابات ضِد هذا الوجود الأمريكيّ الاحتِلاليّ وطرده على غِرار ما حدَث بالعِراق.
ثالثاً: واشنطن لن تتحمل هذا النوع من الحروب طويلا، وستسقط من الأيام الأولى وستغادر سوريا على وجه السرعة، لعدة أسباب أهمها ان الانتخابات الامريكية على الابواب وترامب غير مستعد اطلاقا لتحمل خسارة ثقيلة من هذا النوع، لأن المجتمع الامريكي برمته سينقلب ضده في حال بدأت جثث الجنود الامريكيين تصل إلى أمريكا خلال الفترة المقبلة، والأمر الثاني ان واشنطن خسرت آلاف الجنود في العراق ما اضطر الرئيس السابق باراك اوباما لسحب جنوده من العراق، وبالتالي واشنطن غير مستعدة لخوض هذه التجربة المريرة مرة جديدة.
رابعاً: يبدو ان حرب العصابات ضد امريكا قد بدأت بالفعل، بعد ان وردت انباء بأن مجهولين قاموا بشَن هجوم بالصّواريخ على قاعِدة عسكريّة أمريكيّة في حقل العمر النّفطيّ السوريّ شرق الفُرات، وبعد أيّام معدودة من استِهداف طائرات تابعة للجيش السوري لمَصافي نفط "غير شرعيّة" لتكرير النّفط المَسروق في ريفيّ جرابلس والباب شرقيّ حلب الواقِعة تحت سيطرة ما يُسمّى بالجيش الوطنيّ السوريّ التّابع للمُعارضة، ويحظَى بدعم القوّات التركيّة ممّا أدّى إلى سُقوط عدد من القَتلى والجرحى في سابقةٍ فريدةٍ من نوعِها.
في الختام.. سوريا لن تسمح بعد كل هذه التضحيات أن تسرق أمريكا فرحتها بالنصر، ولكي تثبت الحكومة السورية للعالم أجمع بانها انتصرت على الارهاب لابد لها من اخراج جميع القوات الاجنبية التي دخلت البلاد عنوة على وجه الفور، وهي تعمل في هذا الاتجاه، وما يحرضها ايضا على الاسراع في اخراج واشنطن من شمال شرق سوريا هو "الاقتصاد"، خاصة وان سعر الصرف في سوريا ارتفع كثيرا وبالتالي سوريا بحاجة ماسة لدعم اقتصادها وعملتها الوطنية، وبالتالي لن تسمح للأمريكيين بالحصول على ثرواتها بالمجان.
المصدر: الوقت