التوسُّل في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

الأحد 8 ديسمبر 2019 - 09:33 بتوقيت غرينتش
التوسُّل في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

الكوثر - التوسّل هو تقرُّب العباد إلى الله بمن هو أقرب وسيلةً إليه منهم بإذنه تعالى، واتخاذه وسيلة لغاية تحقيق حاجاتهم عند الله عزّ وجلّ. والقرآن الكريم والأنبياء والأولياء هم من وسائط ووسائل التقرّب إليه سبحانه.

 

آيات قرآنية:

1 ـ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَهَ تَوَّابًا رَحِيمً﴾([1]).

لو أن المذنبين جاءوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» واستغفروا الله في حضرته، واستغفر لهم الرسول «صلى الله عليه وآله»، لتَحقّقَت لهم التوبة.

والآية تشير إلى دعوة العاصين للحضور في مجلس الرسول «صلى الله عليه وآله» والطلبِ منه الإستغفار لهم.

 

2 ـ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾([2]).

تشير الآية إلى أهمية طلب المنافقين من الرسول «صلى الله عليه وآله» الإستغفار لهم، وأنّ الإعراض عن هذا الطلب صدٌ واستكبار.

 

3 ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([3]).

أي أن يبتغوا كل ما يوجب التقرب إليه، ونيل مرضاته وثوابه وقضاء الحوائج لديه.

 

4 ـ ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([4]).

لما ندم أبناء يعقوب «عليه السلام» من عظيم ذنبهم، سألوا أباهم أن يستغفر الله لهم، فإن ذلك من موجبات تحقق المغفرة.

 

روايات معتـبرة ســنداً:

1 ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عَنْ أَبِيه، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَبَانٍ ومُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالا:

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله «عليه السلام» إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُقَدِّمُ إِلَيْكَ مُحَمَّداً «صلى الله عليه وآله» بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِي، وأَتَوَجَّه بِه إِلَيْكَ، فَاجْعَلْنِي بِه وَجِيهاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ومِنَ الْمُقَرَّبِينَ.

اجْعَلْ صَلَاتِي بِه مَقْبُولَةً، وذَنْبِي بِه مَغْفُوراً، ودُعَائِي بِه مُسْتَجَاباً، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيم»([5]).

 

2 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ:

قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله «عليه السلام» ـ ابْتِدَاءً مِنْه ـ: يَا مُعَاوِيَةُ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «عليه السلام»، فَشَكَا الإِبْطَاءَ عَلَيْه فِي الْجَوَابِ فِي دُعَائِه، فَقَالَ لَه: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الإِجَابَةِ؟!

فَقَالَ لَه الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟

قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ، الأَجَلِّ الأَكْرَمِ، الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، النُّورِ الْحَقِّ، الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ...، وأَتَوَجَّه إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِه، أَسْأَلُكَ بِكَ وبِهِمْ: أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وكَذَا([6]).

 

3 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بن إبراهيم، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وغَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:

قَالَ رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله»: إِنَّ لَكُمْ فِي حَيَاتِي خَيْراً، وفِي مَمَاتِي خَيْراً.

قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَمَّا حَيَاتَكَ فَقَدْ عَلِمْنَا، فَمَا لَنَا فِي وَفَاتِكَ؟

فَقَالَ: أَمَّا فِي حَيَاتِي، فَإِنَّ اللَه عَزَّ وجَلَّ قَالَ: ﴿وما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ﴾، وأَمَّا فِي مَمَاتِي فَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ([7]).

 

4 ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده الصحيح عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام» قَالَ‏:

إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَشِيعَتِهِ، وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ‏ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ (وَحُسْنِ الْأَدَاء) زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ، فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ وَتَصْدِيقاً بِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([8]).

 

5 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ وابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:

إِذَا دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَاغْتَسِلْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا، أَوْ حِينَ تَدْخُلُهَا، ثُمَّ تَأْتِي قَبْرَ النَّبِيِّ «عليه السلام»، ثُمَّ تَقُومُ فَتُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ الله «صلى الله عليه وآله»، ثُمَّ تَقُومُ عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الْمُقَدَّمَةِ مِنْ جَانِبِ الْقَبْرِ الأَيْمَنِ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، عِنْدَ زَاوِيَةِ الْقَبْرِ، وأَنْتَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ ومَنْكِبُكَ الأَيْسَرُ إِلَى جَانِبِ الْقَبْرِ ومَنْكِبُكَ الأَيْمَنُ مِمَّا يَلِي الْمِنْبَرَ فَإِنَّه مَوْضِعُ رَأْسِ رَسُولِ الله «صلى الله عليه وآله» وتَقُولُ:

...اللَّهُمَّ أَعْطِه الدَّرَجَةَ والْوَسِيلَةَ مِنَ الْجَنَّةِ وابْعَثْه مَقَاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُه بِه الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ..

اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ﴿ولَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيم﴾، وإِنِّي أَتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِراً تَائِباً مِنْ ذُنُوبِي وإِنِّي أَتَوَجَّه بِكَ إِلَى اللَّه رَبِّي ورَبِّكَ لِيَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي.

وإِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَاجْعَلْ قَبْرَ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله» خَلْفَ كَتِفَيْكَ واسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وارْفَعْ يَدَيْكَ واسْأَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّكَ أَحْرَى أَنْ تُقْضَى إِنْ شَاءَ الله([9]).

 

6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه ومُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله «عليه السلام»: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله»، فَائْتِ الْمِنْبَرَ، فَامْسَحْه بِيَدِكَ، وخُذْ بِرُمَّانَتَيْه، وهُمَا السُّفْلَاوَانِ، وامْسَحْ عَيْنَيْكَ ووَجْهَكَ بِه، فَإِنَّه يُقَالُ: إِنَّه شِفَاءُ الْعَيْنِ، وقُمْ عِنْدَه، فَاحْمَدِ اللهَ وأَثْنِ عَلَيْه، وسَلْ حَاجَتَكَ، فَإِنَّ رَسُولَ الله «صلى الله عليه وآله» قَالَ: مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، ومِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ، والتُّرْعَةُ هِيَ الْبَابُ الصَّغِيرُ، ثُمَّ تَأْتِي مَقَامَ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله» فَتُصَلِّي فِيه مَا بَدَا لَكَ، فَإِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ، فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله»، وإِذَا خَرَجْتَ فَاصْنَعْ مِثْلَ ذَلِكَ وأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ([10]).

 

7 ـ روى الشيخ الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه «عليهما السلام»، عن جدِّه، قال:

قال رسولُ الله «صلى الله عليه وآله»: من أرادَ التوسّلَ إليَّ، وأن يكونَ لهُ عندي يدٌ أشفعُ لهُ بها يومَ القيامة، فليَصِلْ أهلَ بيتي، ويُدخِلْ السرورَ عليهم([11]).

 

هذه عقيدتنا في التوسّـل:

التوسّل هو تقرُّب العباد إلى الله بمن هو أقرب وسيلةً إليه منهم بإذنه تعالى، واتخاذه وسيلة لغاية تحقيق حاجاتهم عند الله عزّ وجلّ.

والقرآن الكريم والأنبياء والأولياء هم من وسائط ووسائل التقرّب إليه سبحانه.

 

وكما هو حال التوسّل بأسماء الله تعالى وصفاته.. ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾[12].. أو بذكر الحال عن الطلب ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[13].. كذلك يكون التوسّل بالأنبياء والأولياء، فهو تشفّع وتوسّط واستعانة بهم عند الله بإذنه لقضاء الحاجات.

 

والفرق بين التوسّل المشروع وبين توسّل المشركين بأصنامهم إلى الله تعالى، هو: أنّ المشركين افترضوا وسائط من عندهم لم ينزل الله بها سلطاناً، فهي شرك.. أما الوسائط في الإسلام، فقد أمر الله بها، فهي توحيد.

 

والتوسّل بالوسيلة التي شرّعها الله تعالى وأَذِنَ بها، إنما هو عبادة لله، وإطاعة لأمره، ولا يملك أحد في الخلق نفعاً، ولا ضراً، إلا من عنده سبحانه.

 

ولا يجوز أن يكون الرجوع إلى الوسيلة توجهاً إليها من دون الله، وهو المقصود في الدعاء والتوسّل والعبادة.. لا شريك له.

 

***

[1] الآية 64 من سورة النساء.

[2] الآية 5 من سورة المنافقون.

[3] الآية 35 من سورة المائدة.

([4]) الآيتان 97 و 98 من سورة يوسف.

([5]) الكافي، ج3 ص309، ومرآة العقول، ج15 ص96.

([6]) الكافي، ج2 ص582، ومرآة العقول، ج12 ص456.

([7]) الكافي، ج8 ص 254، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج2 ص681.

([8]) من لا يحضره الفقيه، ج2 ص345، والكافي ج4 ص567.

([9]) الكافي، ج4 ص550 ـ 551، وراجع: كامل الزيارات، ص48، وتهذيب الأحكام للطوسي، ج6 ص5.

([10]) الكافي، ج4 ص553، وتهذيب الأحكام للطوسي، ج6 ص7.

([11]) أمالي الصدوق، ص462، وبحار الأنوار، ج6 ص227.

([12]) سورة الأعراف الآية 180.

([13]) سورة القصص الآية 24.

 

الكاتب: الشيخ نبيل قاووق

المصدر: شبكة المعارف الاسلامية