في ما ورد عن مودّة أهل البيت عليهم السلام

السبت 16 نوفمبر 2019 - 09:35 بتوقيت غرينتش
في ما  ورد عن مودّة أهل البيت عليهم السلام

الکوثر : الف- آيات قرآنية:


1 ـ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ شَكُور﴾([1]).

نزلت في حق أهل البيت «عليهم السلام» ووجوب مودتهم. ومعناها: أنّ على الناس أن يودّوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أهل بيته.. والمودة هي الحب الظاهر أثره في مقام العمل.

والمودة لهم «عليهم السلام» تقتضي المحبّة والولاء، والطاعة، والنصرة والإهتداء بهداهم...

والقربى هم فاطمة وعلي، والحسن والحسين، والتسعة المعصومون من ذرية الحسين «عليه السلام».

وسئل الإمام الباقر «عليه السلام» عن الآية، فقال: هي والله فريضة من الله على العباد لمحمّد «صلَّى اللهُ عليه وآله» في أهل بيته([2]).

وعَنْه «عليه السلام» أيضاً فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَه فِيها حُسْن﴾ قَالَ: مَنْ تَوَلَّى الأَوْصِيَاءَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ واتَّبَعَ آثَارَهُمْ([3]).

وفي رواية أخرى أنه قال: الِإقْتِرَافُ: التَّسْلِيمُ لَنَا، والصِّدْقُ عَلَيْنَا، وأَلَّا يَكْذِبَ عَلَيْنَا([4]).

 

ب - روايات معتـبرة ســـنداً:

1 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام» يَقُولُ لأَبِي جَعْفَرٍ الأَحْوَلِ، وأَنَا أَسْمَعُ: أَتَيْتَ الْبَصْرَةَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلَى هَذَا الأَمْرِ ودُخُولَهُمْ فِيه؟

قَالَ: والله إِنَّهُمْ لَقَلِيلٌ، ولَقَدْ فَعَلُوا، وإِنَّ ذَلِكَ لَقَلِيلٌ.

فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالأَحْدَاثِ، فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.

ثُمَّ قَالَ: مَا يَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي هَذِه الآيَةِ: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾؟

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا لأَقَارِبِ رَسُولِ الله «صلى الله عليه وآله».

فَقَالَ: كَذَبُوا، إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا خَاصَّةً، فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، فِي عَلِيٍّ وفَاطِمَةَ، والْحَسَنِ والْحُسَيْنِ، أَصْحَابِ الْكِسَاءِ «عليهم السلام([5]).

2 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:

قُلْتُ: إِنَّا نُكَلِّمُ النَّاسَ، فَنَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، فَيَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي أُمَرَاءِ السَّرَايَا، فَنَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ورَسُولُه﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَيَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، ونَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾، فَيَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي قُرْبَى الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: فَلَمْ أَدَعْ شَيْئاً مِمَّا حَضَرَنِي ذِكْرُه مِنْ هَذِه وشِبْهِه إِلَّا ذَكَرْتُه، فَقَالَ لِي: إِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَادْعُهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ.

قُلْتُ: وكَيْفَ أَصْنَعُ؟

قَالَ: أَصْلِحْ نَفْسَكَ ثَلَاثاً، وأَظُنُّه قَالَ: وصُمْ واغْتَسِلْ، وابْرُزْ أَنْتَ وهُوَ إِلَى الْجَبَّانِ، فَشَبِّكْ أَصَابِعَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُمْنَى فِي أَصَابِعِه، ثُمَّ أَنْصِفْه، وابْدَأْ بِنَفْسِكَ، وقُلِ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ورَبَّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ، عَالِمَ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ، الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، إِنْ كَانَ أَبُو مَسْرُوقٍ جَحَدَ حَقّاً وادَّعَى بَاطِلاً، فَأَنْزِلْ عَلَيْه حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ عَذَاباً أَلِيماً، ثُمَّ رُدَّ الدَّعْوَةَ عَلَيْه، فَقُلْ: وإِنْ كَانَ فُلَانٌ جَحَدَ حَقّاً وادَّعَى بَاطِلاً، فَأَنْزِلْ عَلَيْه حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ عَذَاباً أَلِيماً.

ثُمَّ قَالَ لِي: فَإِنَّكَ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَرَى ذَلِكَ فِيه، فَوَالله مَا وَجَدْتُ خَلْقاً يُجِيبُنِي إِلَيْه([6]).

 

3 ـ روى الشيخ الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر محمـد بن علي الباقـر «عليه السلام»، عن أبـيه، عن جـده «عليه السلام»، قال:

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يدٌ أشفع له بها يوم القيامة، فليصِلْ أهل بيتي، ويُدخِلْ السرور عليهم([7]).

 

4 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:

نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا، فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ ومَوَدَّتَهُمْ ويَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِه الآيَةَ: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾([8]).

 

5 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام» يَقُولُ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَوَدُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وتُكْثِرُ التَّعَاهُدَ لَنَا...

فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ: ...لَا يَزَالُ حَقُّ آلِ مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله» وَاجِباً عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ([9]).

 

6 ـ روى الشيخ الصدوق عن ابن شاذويه المؤدب، وجعفر بن محمد بن مسرور، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت:

قال أبو الحسن الرضا «عليه السلام»: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه، عن الحسين بن علي «عليهم السلام»، قال:

اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقالوا: إن لك ـ يا رسول الله ـ مؤونة في نفقتك، وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم فيها باراً، مأجوراً، أعط ما شئت، وأمسك ما شئت، من غير حرج.

قال: فأنزل اللهُ عز وجل عليه الروح الأمين، فقال: يا محمد، ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾. يعني أن تودوا قرابتي من بعدي([10]).

 

7 ـ روى الشيخ الصدوق عن ابن شاذويه المؤدب وجعفر بن محمد بن مسرور، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال أبو الحسن الرضا «عليه السلام»:

...وما منّ اللهُ به على أمته، مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه، أن لا يودوه في ذريته وأهل بيته، وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس حفظاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وحباً لنبيه، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه؟ والأخبار ثابتة بأنهم أهل المودة، والذين فرض اللهُ مودتهم، ووعد الجزاء عليها، أنه ما وفى أحد بهذه المودة مؤمناً مخلصاً إلا استوجب الجنة، لقول الله عز وجل في هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. مفسراً ومبيناً ([11]).

 

هذه عقيدتنا في مودّة أهل البيت (عليه السلام):

لقد فرض الله تعالى بالنص القرآني، وعلى لسان النّبي «صلّى الله عليه وآله» حبّ أهل البيت «عليهم السلام» ومودّتهم، وحرّم أذيتهم وإهانتهم، والعداوة لهم، لمنزلتهم عنده، وطهارتهم من الذنوب.. إذ لا يمكن له تعالى أن يفرض حبّ أهل المعصية.

وما المودّة إلا عين الولاء والطاعة، لأنها هي الحُبّ الظّاهر أثرُه في مقام العمل، وما اتّباعهم والتأسي بهم، إلا هدى ونجاة للعباد، وهم مظهر كمالات التقوى والطاعة لله، والإلتزام بالحق.

ومن المودة الفرح لفرح أهل البيت «عليهم السلام» والحزن لحزنهم، وبذل المال والأنفس في نصرتهم.

خصّهم اللهُ تعالى بالفضل والرحمة: بأن جعل مودتهم أجراً للرسالة، وطاعتهم من كمال الدّين وتمام النعمة.

وما كان الأجر الذي طلبه النّبي «صلّى الله عليه وآله» يرجع إليه، بل كان نفعه للمسلمين.

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾([12]).

 

الکاتب: سماحة الشيخ نبيل قاووق

المصدر: موقع شبكة المعارف الاسلامية