وقال ثلاثة مسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إن الوكالة لا تتجسس على حكومة الإمارات، الأمر الذي يعد شديد الغرابة وذلك فيما يصفه بعض المنتقدين بنقطة مظلمة خطرة في عالم الاستخبارات الأميركية.
وهذا الموقف من جانب وكالة الاستخبارات المركزية ليس بالجديد، وإنما ما تغير هو طبيعة تدخل تلك الدولة الصغيرة التي تتمتع بنفوذ كبير والعضو في منظمة أوبك في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، فهي تخوض حروباً وتدير عمليات سرية وتستخدم قوتها المالية في إعادة تشكيل المسرح السياسي الإقليمي بأشكال تتعارض في كثير من الأحيان مع المصالح الأميركية حسب ما تقوله المصادر وخبراء السياسة الخارجية.
وقال مسؤول رابع كان يعمل سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية إن إخفاق الوكالة في التكيف مع الطموحات العسكرية والسياسية المتنامية للامارات يرقى إلى مستوى "التفريط في الواجب"، غير أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تتجاهل الإمارات كلياً، فقد قال مصدران على علم بعمليات وكالة الأمن القومي الأميركية لـ"رويترز" إن الوكالة تنفذ عمليات مراقبة إلكترونية داخل الإمارات، وهذه العمليات الإلكترونية نوع من أنواع جمع المعلومات ينطوي على مخاطر أقل وعائد أقل، كما أن وكالة الاستخبارات المركزية تعمل مع جهاز الاستخبارات في الإمارات من خلال علاقة تعاون تشمل تبادل المعلومات عن الخصوم المشتركين.
ولا تجمع وكالة الاستخبارات المركزية معلومات باستخدام العنصر البشري من مخبرين في الإمارات عن حكومتها الاستبدادية، حسبما قال المسؤولون الثلاثة السابقون بالوكالة. وهذا النوع من الاستخبارات هو الأكثر قيمة والأصعب في جمع المعلومات، وامتنعت وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي والبيت الأبيض عن التعليق على أنشطة التجسس الأميركية في الإمارات. ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية والسفارة الأميركية في الإمارات على طلبات للتعليق.
وقال مسؤولو الاستخبارات السابقون إن عدم وجود نشاط استخباراتي لوكالة الاستخبارات المركزية في الإمارات، وهو الأمر الذي لم يسبق نشر شيء عنه في وسائل الإعلام، يجعل تلك الدولة ضمن قائمة قصيرة من الدول الأخرى التي تنتهج فيها الوكالة نهجا مماثلا، وتضم هذه القائمة الدول الأخرى الأعضاء في تحالف استخباراتي يسمى "العيون الخمس" وهي أستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا وكندا.
وقال أربعة مسؤولين سابقين بوكالة الاستخبارات المركزية إن جواسيس الوكالة يجمعون معلومات باستخدام العنصر البشري تقريباً عن كل دولة أخرى للولايات المتحدة مصالح كبيرة فيها بما في ذلك بعض الحلفاء الرئيسيين، وربما تكون السعودية أقرب دولة تمثل النقيض للإمارات فهي حليف آخر من حلفاء الولايات المتحدة يتمتع بنفوذ كبير في الشرق الأوسط ومنتج رئيسي للنفط، كما أنها تشتري السلاح الأميركي.
ويقول مسؤولان سابقان في وكالة الاستخبارات المركزية وضابط سابق بمخابرات دولة في الخليج (الفارسي) إن الوكالة كثيراً ما تستهدف السعودية على النقيض من الإمارات.
وقال ضابط الاستخبارات السابق بإحدى الدول الخليجية إن أجهزة الاستخبارات السعودية لا تشكو علناً من محاولات التجسس التي تبذلها وكالة الاستخبارات المركزية لكنها تجري اتصالات غير معلنة بمسؤول الوكالة في الرياض لكي تطلب منه إبعاد ضباط الاستخبارات المركزية في هدوء عن البلاد.
ووصف ضابط الاستخبارات المركزية السابق روبرت باير وهو مؤلف معروف غياب العنصر البشري في جمع الاستخبارات عن الإمارات بأنه "فشل" وذلك عندما أطلعته رويترز على الأمر.
وقال إن صانع القرار الأميركي يحتاج أفضل المعلومات المتاحة عن السياسات الداخلية والصراعات الأسرية في نظم الحكم الملكية في الشرق الأوسط.
وأضاف "إذا كنت تفتخر بكونك جهازاً عالمياً فهذا يعتبر فشلاً. العائلات المالكة ذات أهمية شديدة".
دولة مارقة
قال مسؤول سابق بإدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إن غياب جمع المعلومات في الإمارات أمر مزعج لأن تلك الإمارة تعمل الآن "كدولة مارقة" في دول استراتيجية مثل ليبيا وقطر بل وأبعد من ذلك في القارة الأفريقية، ففي السودان، أنفقت الإمارات المليارات في دعم الرئيس السوداني عمر حسن البشير خلال حكمه الطويل ثم تخلت عنه وأيدت القادة العسكريين الذين أطاحوا به في أبريل/نيسان.
وفي يونيو/حزيران، قتلت قوات الأمن عشرات المحتجين المطالبين بالحكم المدني والانتخابات. كما أقامت الإمارات قواعد عسكرية في إريتريا وجمهورية أرض الصومال.
وقال المسؤول السابق في إدارة ترامب "إذا ما قلبت أي حجر في القرن الأفريقي فستجد الإمارات هناك".
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لشعبة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش إن الإمارات عملت على تأكيد ذاتها كقوة مالية وعسكرية في مناطق "أبعد من الجوار المباشر".
وفي الآونة الأخيرة، أقر الكونجرس الأميركي قرارات تقضي بوقف مبيعات أسلحة للسعودية والإمارات غير أن الرئيس ترامب استخدم حق النقض (الفيتو) للاعتراض على هذه القرارات.
وقد أنفقت حكومة الإمارات 46.8 مليون دولار على جماعات ضغط أميركية منذ 2017 وفقاً لما يقدره مركز سياسات الاستجابة.
وقال أحد مسؤولي الاستخبارات المركزية الثلاثة على علم بعمليات الوكالة في الإمارات، إن جمع معلومات عن حكومتها ضروري لأسباب تتجاوز تدخلاتها الإقليمية، فالإمارات تعمل على صوغ علاقات وثيقة أيضاً مع روسيا بما في ذلك شراكة استراتيجية واسعة المجال تم توقيعها العام الماضي للتعاون في مجالات الأمن والتجارة وأسواق النفط وكذلك علاقات وثيقة مع الصين حيث قام الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات بزيارة استغرقت ثلاثة أيام للصين الشهر الماضي لحضور منتدى اقتصادي بين البلدين.
ويرى بعض خبراء الأمن القومي توافقاً كافياً بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح الإمارات، بما يفسر الغياب المستمر لنشاط التجسس.