أسواق حلب الأثرية تبدأ رحلة تعافيها من آثار الحرب

السبت 10 أغسطس 2019 - 07:34 بتوقيت غرينتش

سوريا - الكوثر: شكل الدمار الذي ألحقته التنظيمات الإرهابية بأسواق حلب التاريخية خلال سنوات سيطرتها على المدينة، ضربة قوية للتراث العالمي، أطاحت بأجمل أسواق مدن الشرق وأكبرها، بعدما ظلت جزءا مزدهرا في الحياة السورية الاقتصادية والاجتماعية، طيلة 24 قرنا من الزمن.

تشهد مدينة حلب اليوم حركة نشطة على طريق إعادة إحياء هذه الأسواق المدرجة على لائحة التراث العالمي، فمن جهة أبى العديد من أصحاب المحال التجارية إلا أن يعودوا إلى مباشرة تجارتهم وافتتاح محلاتهم المحاطة بالأنقاض والدمار، ومن جهة ثانية استعادت بعض الأسواق ألقها القديم بعد خضوعها لأعمال الترميم المدعومة حكوميا ورسميا، بهدف إعادة الفعاليات التجارية إلى الأسواق الأثرية، كما هو الحال في سوق السقطية الذي أيد افتتاحه بداية شهر يوليو/تموز الماضي، في حين لا تزال بعض الأسواق المهجورة والمدمرة، تشهد على ما اقترفته التنظيمات الإرهابية من جرائم.
ويعود تاريخ أسواق حلب إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع المستقيم الممتد بين القلعة وباب أنطاكيا، لتشكل أطول سوق مسقوف في العالم، وقد أخذت معظم أسواق حلب القديمة شكلها الحالي في العهد البيزنطي وتم توسيعها في العصر الإسلامي، كما شيدت بعض الأسواق خلال الاحتلال العثماني للمدينة، وقد كانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات، وظلت إلى سنوات قريبة تلعب دورا بارزا في الحياة الاقتصادية الحلبية.
وتعرضت أسواق حلب لحريق عام 1868 أتلف أسقفها المصنوعة من القصب والأخشاب، فأعيد بناء أسقف حجرية جديدة مزودة بنوافذ سقفية، وفتحات للإنارة والتهوية.
ويبلغ تعداد أسواق حلب القديمة 37 سوقا، ويقارب مجموع طولها 15 كيلومترا، وتشكل محلاتها التجارية "أكبر سوبر ماركت في العالم على الإطلاق"، ولكل سوق من هذه الأسواق اسمه، ولكل اسم قصة ترتبط بتخصصه وبنوع سلعه، كسوق الزرب الذي يقع في الجهة الشرقية لـ"المْدينة"، فاسم السوق الأصلي هو سوق الضرب، حيث كانت تضرب به العملة المعدنية في العهد المملوكي ثم تطوّر تعبير سوق الضرب التركي ليصبح "سوق الزرب"، الذي كان قبل الحرب سوقا خاصا لبيع المنسوجات و"الفروات" والعباءات المبطنة بصوف الخراف، وقد عادت بعض المحلات لاستئناف العمل بمحالهم، وعاد الزبائن يقصدون هذا السوق بالرغم من الدمار الكبير الذي لحق به خلال سنوات الحرب.
وإلى الغرب من سوق الزرب يمتد سوق العبي أو كما يسميه البعض "سوق النشابين" ويتخصص ببيع العبي إلى جانب أنواع أخرى المنسوجات والأقمشة، أما سوق "قرة قماش" وهو اسم تركي يعني القماش الأسود، فهو من الأسواق غير المسقوفة، حيث تم هدم هذا السوق منذ نحو 100 سنة ليعاد تشييده من جديد ولترتفع على جانبيه الأبنية السكنية، وكان هذا السوق يختص ببيع "الملايا" والبرقع والخمارات والعباءات السوداء. ويتفرع منه سوق آخر يسمى "سوق الدهشة" وسمي كذلك لأن كل من يزوره للمرة الأولى كان يصاب بالدهشة، لجماله ولروعة الأقمشة المعروضة فيه. أما سوق "الطرابيشية" فيقع على امتداد سوق الدهشة، وظل لعشرات السنين قبل الحرب سوقا لبيع الأقمشة والملابس، بعد اندثار الطرابيش وصناعتها، أما سوق الدراع فسمي كذلك نسبة إلى وحدة القياس التي يتعامل بها تجار الأقمشة الحلبيون "الذراع"، وكانت محاله قبل الحرب متخصصة ببيع وخياطة الأقمشة، حيث كانت "ماكينات الخياطة تنتشر في السوق وأمام المحال مستفيدة من فتحات الإنارة السقفية والمزودة بمرايا عاكسة لأشعة الشمس.
و قبل الحرب، كان سوق "اسطنبول الجديد" أو كما يسميه البعض "سوق النسوان" المفضل لدى النساء الحلبيات لشراء الأقمشة، ومثله سوق "خان الحرير"، أما سوق العطارين التاريخي فتمددت تجارة الأقمشة إلى بعض أجزائه، ومع هذا ظل محافظا على تخصصه في بيع البهارات والتوابل والزعتر الحلبي الشهير والزهورات ولوازم العطارة، إلى أن أخرجته نيران الإرهاب من الخدمة ودمرت أجزاء واسعة منه.
أما "سوق السقطيّة" الذي يرتبط بالأكلات الشعبية المعمولة على أصولها، كالفول والحمص والفتّات والمعجنات والخضار والفواكه، فشهد خلال الأشهر الأخيرة عملية ترميم كبيرة قبل إعادة افتتاحه الشهر الماضي، بعدما أعيد إليه رونقه القديم كما كان قبل نحو 1000 سنة.
ومن المتوقع أن تبدأ بعد ذلك مرحلة ترميم السوق المجاور لسوق السقطية، والذي يطلق عليه اسم سوق "البهرمية" وقد سمّي بهذا الاسم نسبة لجامع ومدرسة بهرام باشا قربه، وهو سوق متخصص ببيع الأغذية.
وتتشابك مع الأسواق المذكورة وتتكامل معها، أسواق كثيرة، يتميز كل منها ببيع سلع وخدمات معينة استمد اسمه منها مثل "سوق الصاغة" المتخصص بصياغة و بيع الحلي الذهبية، وسوق "الصرماياتية" المتخصص ببيع وصيانة الأحذية، والسوق العتيق وسوق الحور وسوق الحمام وسوق ماركوبولي وسوق الشام وسوق الحدّادين وسوق الصابون وسوق أصلان دادا نسبة لاسم باني الجامع المجاور.