والبعوضة - كمثل قرآني - تمثل جانبا من الحق؛ ولذا يضرب الله تعالى مثلا بها؛ والله لا يستحيي من الحق. وعندما ضرب الله مثلا بعوضة لأنها تمثل جانبا من الحق، علم المؤمنون أن هذا المثل حق، وأن هذا الحق من الله تعالى؛ لأنهم يبحثون عن الحق أينما كان؛ حتى إذا كان في بعوضة صغيرة.
تقول الآية 26 من سورة البقرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا﴾؛ أي: أي نوع من المثل؛ حتى إذا كان {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}؛ أي: أكبر منها؛ والله العالم.
وأمام هذا المثل الحق الذي كان امتحانا للناس، كان موقف المؤمنين موقف التسليم؛ لأنهم كانوا يعلمون أنه من ربهم وإن لم يدركوا وجه المثال والتشبيه؛ وذلك قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ}؛ فنجحوا في الامتحان. وأما الفاسقون فقد اتخذوا موقف الاستهزاء بهذا المثل؛ فقالوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا}؟ فسقطوا في الامتحان.
وجاء الجواب:
ان «البعوضة» مثل للامتحان؛ ﴿يُضِلُّ﴾ الله ﴿بِهِ كَثِيرًا﴾ من الناس، وهم الذين في قلوبهم مرض، وهم الفاسقون؛ لأنهم اختاروا الضلال، ﴿وَيَهْدِي﴾ الله ﴿بِهِ كَثِيرًا﴾ من الناس، وهم المؤمنون؛ لأنهم اختاروا الهداية؛ والله العالم.
فالله - تعالى- لا يستحيي ان يوضح الحق للناس بالأمثال في أشياء صغيرة؛ كالنمل، والبعوض، والذباب، والعنكبوت؛ ونحوها.
وقوله: ﴿لَا يَسْتَحْيِي﴾؛ أي: لا يمتنع؛ والله العالم.
والبعوضة وإن كانت صغيرة في حجمها الى حد استهزاء البعض بها؛ إلا أنها عظيمة في خلقها، وتتمثل عظمتها في عينها، وفمها، وقلبها، وحاسة الشم القوية جدا فيها؛ وكذلك في جهاز «التخدير الموضعي»، وجهاز «تحليل الدم وتمييعه» فيها؛ فضلا عن أنواعها التي تبلغ 3000 نوع. ولعل الآية الكريمة تحمل في طياتها تحذيرا لكل فرد منا من مغبة الانحراف بمجرد شبهة، أو إشكال؛ وما أكثر الشبهات والإشكالات.
الكاتب: السيد جواد الرضوي
المصدر: مجلة الهدى الثقافية