وكتبت الرسالة بحبر أزرق وبخط مرتَّب، سطراً بعد سطر، وتحمل عنواناً بلندن، ومؤرخة في 16 سبتمبر 1999، وجاء فيها: "أفكر منذ زمن في الهروب"، و"أعرف أن هذا لن يحُل أياً من مشاكلي، ولهذا فكرت في الحديث مع والدتي، ولكنني اكتشفت أن هذا لم يتحقق".
وأرسلت الشيخة رسالتها إلى ابنة خالة متزوجة تعيش في بريطانيا، والتي كان اسمها فاطمة صابري، قبل أن تغير هويتها.
وتصف الشيخة شمسة في الرسالة التي كتبتها وهي في عمر 18 عاماً، الحنين اليائس من الوجود المترف والخانق في دبي، وقالت فيها: "لا تقلقي، لا تعطيني أفكاراً، ولا تشجعيني على الهرب"، و"كل ما أقوله، إنني قررت ولم يعُد لديَّ شيء هنا، ولا أعرف متى أحصل على الثقة، فقبل أسابيع أردت الانتحار".
وفي أقل من سنة، ركبت شمسة سيارة "رينج روفر" من قصر والدها في مقاطعة ساري وهربت، حيث تركت السيارة واختفت؛ وهو ما أدى إلى عملية بحث انتهت بعد شهرين، عندما اختُطفت، كما قيل، ونُقلت إلى دبي بناء على أوامر عائلتها.
ولم تُرَ منذ ذلك الوقت، ويقول المدافعون عنها، ومن ضمنهم شقيقتها الشيخة لطيفة، إنها تعطى المسكنات، وتم التحفظ عليها بقصور العائلة في دبي بالإجبار.
وتقول الصحيفة إن صابري التي عاشت مع العائلة، تحدثت لمراسلتها عن شمسة والحياة في القفص الذهبي، وعمَّا دفعها للمخاطرة بكل شيء والهروب من العائلة.
وكشفت صابري عن الطريقة التي علمت من خلالها والدتها الجزائرية "حورية"، بخطط هروب شمسة وكيف حاولت هذه الانتحار.
واستمتعت لطيفة (شقيقة شمسة) بهواية القفز من الطائرات والفنون القتالية، ورسمت خطة هروبها، وقررت تسجيل فيديو كإجراء أمني في حال فشلت خطة الهروب.
ويأتي هذا التقرير بعد أسابيع من فضيحة أخرى تعرضت لها العائلة الحاكمة في دبي، إذ هربت زوجة الشيخ محمد، الأميرة هيا بنت الحسين، مع ولديها إلى لندن، وستبدأ المعركة على حضانة ولديهما، في المحاكم البريطانية، نهاية الشهر الحالي.
وذكرت تقارير عدة أن الأميرة هيا هربت من دبي بسبب طريقة معاملة الشيخة لطيفة (33 عاماً)، الشقيقة الصغرى للشيخة شمسة.
ففي العام الماضي، نشرت لطيفة فيديو من 40 دقيقة، وصفت فيه ما تعرضت له شمسة (الآن 38 عاماً)، وأنها سجينة في قصر والدها بعد محاولتها الهروب.
ومع صديقتها مدربة الفنون القتالية الفنلندية تيانا يوهانين، خططتا بدقةٍ لرحلة الهروب على متن يخت إلى الهند، وقبل وصولهما إلى مدينة غاو الهندية، تقول يوهانين إن جنوداً إماراتيين وهنوداً هاجموا القارب، وأخذوا لطيفة وطاقم القارب، ودشنت منظمة "سجناء في دبي"، التي يترأسها ديفيد هيغ، حملة للإفراج عنها.
وتعلّق الصحيفة قائلةً إن هروب لطيفة مرتبط بوضع شمسة وإن كان جاء بعد عقدين؛ وذلك أن لطيفة ظلت غاضبة بسبب معاملة شقيقتها.
ولا يُعرف سبب هروب شمسة، إلا أن رسالتها إلى صابري، عبَّرت فيها عن خيبة أملها عندما أخبرها والدها بأنها لن تذهب إلى الجامعة، وكتبت: "تعرفين (أنه) لم يسألني حتى عما أريد دراسته.. كل ما قاله لا! ولست نادمة على سؤاله؛ فلديَّ الجواب الآن، وأنا سعيدة بأنه كان صريحاً، ولن أضيّع وقتي.. أنتظر".
الصابري هي ابنة خالة شمسة التي تصغرها بأحد عشر عاماً، وولدت في المغرب لعائلة جزائرية، وجاءت صابري للعيش مع خالتها بعدما تزوجت هذه الشيخ محمد.
وكانت صابري صغيرة عندما عاشت مع خالتها في قصر الشيخ، ولم يتجاوز عمرها 12 عاماً، ولعبت مع بنات خالتها "لعبنا معاً"، وتقول إن لطيفة "كانت شقية وكنا مدللات"، وكن يقمن بشقاوات مثل التقاط صور في سيارات رولز رويس أمام المنزل، أو الذهاب في رحلات إلى الصحراء.
وتبين صابري أن الشيخ كان يزورهم أحياناً، قائلة: "لم يكن هذا تعبيراً عن علاقة الحب وأن الوالد كان موجوداً"، ولم يخلُ جو الترف من نوبات غضب؛ فقد تم التعامل مع أختين تبنتهما العائلة مثل الخادمات.
وشاهدت مرة عندما كانت في حديقة القصر أحد أفراد العائلة الحاكمة وهو يضرب خادمة بالسوط، ولم يكن لدى النساء في العائلة أي سلطة إلا أن شمسة كانت استثناء، فقد قررت أن تجلب أختها لطيفة للعيش معاً، خصوصاً أنها ومنذ ولادتها ظلت تعيش مع فرع آخر من العائلة، وهي ممارسة معروفة لدى العائلة الحاكمة، بل وذهبت بنفسها وأحضرتها.
وحاولت لطيفة في سن الـ16 أن تخبر العالم عمَّا يجري لشقيقتها كما جاء في شريط الفيديو العام الماضي، ولكنها أوقفت، وتحدثت قائلة: "قام شخص بإمساكها والآخر بضربها وفعلوا هذا تكراراً"، وقالت: "أخبروني: طلب منا والدك ضربك حتى الموت، وهذه أوامره".
وفي سن الرابعة عشرة، انتقلت صابري إلى مدرسة داخلية في بريطانيا وخلفت وراءها بنات خالتها في القفص الذهبي، وكلما كبرن شعرن بالغضب من الحياة الخانقة.
وتقول: "كن يتمتعن بحرية أوسع وهن صغيرات"، و"عندما كبرن وذهبت لزيارتهن كن يبقين في السيارات ولا يسمح لهن برؤيتي"، وبعد أسابيع من رسالتها، فاتحت شمسة صابري من خلال مكالمة هاتفية أنها تريد الهرب، وقالت إنها تشعر بالبؤس والقرف من سجل دبي في حقوق الإنسان، والتي قالت إنها "أكاذيب".
وتقول صابري إنها حاولت ثنيها، قائلة إن الهرب من عائلتها سيكون صعباً، "عندما اتصلت بي شمسة طالبة مساعدتي لم تكن سوى فتاة مراهقة تريد الهرب"، وشعرت بالقلق إذ عرضت محادثة خالتي والطلب منها تخفيف القيود التي فرضتها على شمسة، ولكن المكالمة لم تكن جيدة، مع أنها "لم تكن تطلب أمراً كبيراً، ولكنها ارتدت عكساً وغضبت خالتي".
وبعد ذلك حذف اسم صابري من بعض أملاك العائلة وقطعت المخصصات عنها، وبسبب ما جرى كتبت شمسة رسالة تعتذر لها وتشكر ابنة خالتها على محاولة المساعدة، وقالت إنها تشعر بالقوة في داخلها.
وضمنت الرسالة رمزاً يساعد صابري على الرد من خلال واحدة من صديقاتها، وفعلت، إذ طلبت من شمسة أن تكون قوية، وقررت بعد ذلك عدم الاتصال بها خشية تعرض ابنة خالتها للأذى.
وبعد أكثر من سنة، قرأت عن محاولة شمسة الهرب، وسألت نفسها "ماذا سأفعل؟ ومن أكون أنا حتى أقاتلهم"، ولم يظهر أي شيء عن مصير شمسة.
وفي عام 2017 اتصلت بشرطة كامبريدج شاير، وأكدت الشرطة أنها فتحت ملف اختفاء شمسة بعد تلقيها معلومات جديدة.
وفي ديسمبر ظهرت صورة للطيفة مع الرئيسة السابقة لأيرلندا ماري روبنسون، وبالنسبة لصابري والمدافعين عن شمسة لم تكن إلا صورة للعلاقات العامة.
وتقول صابري: "أعتقد أنني لو ظللت صامتة فلن يتوقف هذا" و"ستكون لطيفة وربما أخريات".
ويذكر أن فاطمة وبعد سنوات من صراع حول هويتها، بدأت حياة جديدة كرجل وسمت نفسها ماركوس صابري، إذ عملت في شرطة المجتمع بغلوسترشاير بعيداً عن الأضواء، تاركة أسرار عائلة آل مكتوم خلف ظهرها.
ويعمل ماركوس (48 سنة) لمساعدة اللاجئين، وقرر الحديث بعدما اتصلت به مجموعة "سجناء في دبي" التي تدعو للإفراج عن شمسة ولطيفة.