لم تقتصر علوم الامام الرضا (عليه السّلام) على أحكام الشريعة الاسلامية الغراء وانما شملت جميع أنواع العلوم والتي منها علم الطب فقد كان علما من أعلامه ومتمرسا بجميع فروعه وجزئياته ويدلل على ذلك بصورة واضحة هذه الرسالة التي سماها المأمون بالرسالة الذهبية كما منح في تقريضه لها وسام الطبيب على الامام (عليه السّلام) وقد وضعت البرامج العامة لاصلاح بدن الانسان ووقايته من الاصابة بالأمراض الذي هو القاعدة الاساسية للطب الوقائي في هذه العصور والذي يعد من اعظم الوسائل في تقدم الصحة وازدهارها.
تميز بلاط المأمون بأنه كان في معظم الأوقات ندوة من ندوات العلم والأدب خصوصا في عهد الامام الرضا (عليه السّلام) عملاق هذه الأمة ورائد نهضتها الفكرية والعلمية فقد تحول البلاط العباسي الى مسرح للبحوث العلمية والفلسفية.
ومن بين البحوث العلمية التي عرضت في تلك الندوة هو ما يضمه بدن الانسان من الأجهزة والخلايا العجيبة وبدائع تركيب اعضائه التي تجلت فيها حكمة الخالق العظيم وروعة قدرته وخاض القوم فيما يصلح بدن الانسان ويفسده وقد ضمت الجلسة كبار العلماء والقادة كان في طليعتهم من يلي:
1- الامام الرضا.
2- المأمون.
3- يوحنا بن ماسويه.
4- جبريل بن بختيشوع.
5- صالح بن بهلة الهندي.
وقد خاض هؤلاء القوم سوى الامام في البحوث الطبية والامام (عليه السّلام) ساكت لم يتكلم بشيء فانبرى إليه المأمون قائلا له بإكبار: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه اليوم والذي لا بد منه من معرفة هذه الأشياء والأغذية النافع منها والضار وتدبير الجسد.
لقد طلب المأمون من الامام (عليه السّلام) أن يفتح له آفاقا من العلم فيما يتعلق بأجهزة بدن الانسان ويرشده الى النافع من الأغذية والضار منها وما يصلح جسم الانسان وما يضره .. وانبرى الامام فأجابه: عندي ما جربته وعرفت صحته بالاختبار ومرور الأيام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله ولا يعذر في تركه فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته.
إن الامام (عليه السّلام) من خزنة الحكمة ومن ورثة الأنبياء وعنده علم ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم وقد استجاب الامام الى طلب المأمون فزوده بالرسالة الذهبية الآتي نصها.
ونظرا لأهمية هذه الرسالة فقد عكف على شرحها وترجمتها جمهرة من العلماء نصّ عليهم في تقديم هذه الرسالة سماحة الحجة المحقق السيد مهدي الخرسان وهم:
1- السيد الامام ضياء الدين أبي الرضا فضل اللّه بن علي الراوندي المتوفى سنة 548هـ سماه (ترجمة العلوي للطلب الرضوي).
2- الولي فيض اللّه عصارة التستري وهو معاصر لفتحعلي خان له ترجمة الذهبية بالفارسية.
3- محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1111هـ ترجمها الى اللغة الفارسية.
4- ابن محمد هاشم الطبيب شرحها بالفارسية.
5- محمد شريف بن محمد صادق الخواتون له شرح عليها ذكره في كتابه (حافظ الابدان).
6- السيد عبد اللّه شبر المتوفى سنة 242هـ له شرح عليها.
7- ميرزا محمد هادي بن ميرزا محمد صالح الشيرازي شرحها واسماها (عافية البرية في شرح الذهبية) وكان معاصرا للسلطان حسين الصفوي.
8- المولى محمد بن الحاج محمد حسن المشهدي المدرس.
9- السيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي له شرح الذهبية فرغ من تأليفه سنة 1125هـ.
10- محمد بن يحيى له شرح الذهبية بالفارسية.
11- نوروز علي البسطامي له شرح على الذهبية أشار إليه في كتابه (فردوس التواريخ).
12- الحاج ميرزا كاظم الموسوي الزنجاني المتوفى سنة 1292هـ له شرح عليها اسماه (المحمودية).
13- السيد نصر اللّه الموسوي الارومي له شرح بالفارسية سماه (الطب الرضوي).
14- مقبول أحمد له شرح سماه (الذهبية في أسرار العلوم الطبيعية) باللغة الاوردية طبع بحيدر آباد.
15- السيد محمود له مفاتيح الصحة جمع فيه طب النبي (صلّى اللّه عليه وآله) وطب الأئمة والرسالة الذهبية مع شرح يسير بالفارسية طبع سنة 379هـ بالنجف الاشرف.
16- السيد ميرزا علي له شرح الرسالة الذهبية بالفارسية.
17- السيد حسين بن نصر اللّه الارومي الموسوي له (ترجمة الموسوي في الطب الرضوي).
18- ابوالقاسم سحاب له شرح بالفارسية باسم (بهداشت رضوي) وقد طبعه في آخر الجزء الأول من كتابه زندگانى حضرت امام رضا (عليه السلام) .. .
19- الدكتور السيد صاحب زيني له شرح على الرسالة تناول فيه جوانب على ضوء علم الطب الحديث طبع في بغداد في سلسلة ملتقى العصرين.
20- عبد الواسع ترجم الرسالة الى اللغة الفارسية.
ونظرا لأهميتها البالغة فقد كتبت بخطوط أثرية جميلة وتوجد نسخة قديمة بخط عبد الرحمن بن عبد اللّه الكرخي وقد كتبت سنة 715هـ وهي بمكتبة الامام الحكيم تسلسل 237.
وبعث الامام الرضا (عليه السّلام) برسالته الذهبية الى المأمون فأعجب بها اعجابا بالغا وأمر أن تكتب بالذهب كما أمرت أن تكتب نسخ منها وتوزع على أولاده وافراد أسرته وجهاز دولته كما أمر أن تودع نسخة منها في بيوت الحكمة ومما لا شك فيه أنها عرضت على اعلام الطب في عصره فأقروها وقد قرظها المأمون بالرسالة التالية فقد جاء فيها بعد البسملة:
الحمد للّه أهل الحمد ووليه وله آخره وبدؤه ذوالنعم والأفضال والاحسان والاجمال أحمده على نعمه المتظاهرة وفواضله وأياديه المتكاثرة واشكره على منحه ومواهبه شكرا يوجب زيادته ويقرب زلفى اشهد ان لا إله إلّا اللّه شهادة مخلص له بالإيمان غير جاحد ولا منكر له بربوبيته ووحدانيته بل شهادة تصدق نسبته لنفسه وانه كما قال عزّ وجلّ: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4] وكذلك ربنا عزّ وجلّ وصلى اللّه على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين.
أما بعد: فإني نظرت في رسالة ابن عمي العلوي الاديب والفاضل الحبيب والمنطقي الطبيب في اصلاح الاجسام وتدبير الحمام وتعديل الطعام فرأيتها في أحسن التمام ووجدتها في أفضل الانعام ودرستها متدبرا ورددت نظري فيها متفكرا فكلما أعدت قراءتها والنظر فيها ظهرت لي حكمتها ولاحت لي فائدتها وتمكنت من قلبي منفعتها فوعيتها حفظا وتدبرتها فهما إذ رأيتها من أنفس العلائق وأعظم الذخائر وأنفع الفوائد فأمرت أن تكتب بالذهب لنفاستها وحسن موقعها وعظم نفعها وكثرة بركتها وسميتها (المذهبة) وخزنتها في خزانة الحكمة وذلك بعد أن نسخها آل هاشم فتيان الدولة لأن بتدبير الأغذية تصلح الأبدان وبصحة الأبدان تدفع الأمراض وبدفع الأمراض تكون الحياة وبالحياة تنال الحكمة وبالحكمة تنال الجنة وكانت أهلا للصيانة والادخار وموضعا للتأهيل والاعتبار وحكما يعول عليه ومشيرا يرجع إليه ومن معادن العلم آمرا وناهيا ينقاد له ولأنها خرجت من بيوت الذين يوردون حكم الرسول (صلّى اللّه عليه وآله) المصطفى وبلاغات الأنبياء ودلائل الأوصياء وآداب العلماء وشفاء للصدور والمرضى من أهل الجهل والعمى رضوان اللّه عليهم وبركاته أولهم وصغيرهم وكبيرهم.
فعرضتها على خاصتي وصفوتي من أهل الحكمة والطب وأصحاب التأليف والكتب المعدودين في أهل الدراية والمذكورين بالحكمة وكل مدحها وأعلاها ورفع قدرها وأطراها إنصافا لمصنفها وإذعانا لمؤلفها وتصديقا له فيما حكاه فيها فمن وقعت إليه هذه الرسالة من بعدنا من أبنائنا وأبناء دولتنا ورعايانا وسائر الناس على طبقاتهم فليعرف قدرها والموهبة له وتمام النعمة له وليأخذها بشكر فإنها أنفس من العقيان وأعظم خطرا من الدر والمرجان وليستعمل حفظها وعرضها على همته وفكره ليلا ونهارا فإنها عائدة عليه بالنفع والسلامة من جميع الأمراض والأعراض ان شاء اللّه تعالى وصلى اللّه على رسوله محمد وأولاده الطيبين الطاهرين أجمعين حسبنا اللّه ونعم الوكيل والحمد للّه رب العالمين ...
وحكى هذا التقريظ على رسالة الامام (عليه السّلام) ما يلي:
1- محتوياتها الطبية: أما محتويات رسالة الامام (عليه السّلام) حسب ما ادلى به المأمون فهي:
أ- اصلاح الاجسام ووقايتها من الأمراض والتمتع بالصحة الكاملة فقد وضعت الرسالة البرامج العامة لذلك.
ب- تدبيره الحمام الذي هو من العناصر الاساسية للصحة فانه كما يعنى بنظافة البدن كذلك يعنى في بث النشاط في جسم الانسان.
ج- تعديل الطعام الذي تبتنى عليه صحة الانسان ووقايته من الامراض.
2- دراسته لها:
ودرس المأمون رسالة الامام دراسة وثيقة بإمعان وتدبير وانه كلما جدد قراءته لها ظهرت له بدائعها وعظيم حكمتها وقد وجدها من ذخائر الكتب ومن مناجم الثروات فقد حوت أصول الصحة العامة وقواعد الطب في وقت كان الطب في أول مراحله وتعتبر هذه الرسالة تطورا في هذا الفن فقد فتحت آفاقا مشرقة له.
3- عرضها على الأطباء:
وعرض المأمون رسالة الامام على أعلام الطب في عصره فكل واحد منهم أثنى عليها وأقرّها وأطراها ورفع قدرها وقد اعترف جميع من راجعها من كبار الأطباء بفضل الإمام (عليه السّلام) وتمرسه في هذا العلم ... .
المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)، باقر شريف القرشي