فبيّن (عليه السلام) في بعض لقاءاته مع بعض المنتسبين لآل البيت بأنه لا يكفي الإنتساب بدون العمل لله تبارك وتعالى فعليهم بإصلاح النفس قبل فوت الوقت.
1. نقاش تربوي مع زيد بن موسى
روى الصدوق في العيون بسنده عن ياسر انه خرج زيد موسى أخو أبي الحسن (عليه السلام) بالمدينة وأحرق وقتل وكان يُسمّى زيد النار، فبعث اليه المأمون فأسر وحُمِل إلى المأمون.
فقال المأمون إذهبوا به إلى أبي الحسن. قال ياسر: فلمّا ادخل إليه قال له أبوالحسن: يازيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة: إن فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار، ذلك للحسن والحسين خاصة. إن كنت ترى إنك تعصي الله عزوجل وتدخل الجنة وموسى بن جعفر (عليه السلام) أطاع الله ودخل الجنة فأنت إذاً اكرم على الله عزوجل من موسى بن جعفر (عليه السلام)، والله ماينال أحد ما عند الله عزوجل إلاّ بطاعته، وزعمت أنك تناله بمعصيته، فبئس ما زعمت.
فقال له زيد: أنا اخوك وابن أبيك.
فقال له أبوالحسن (عليه السلام): أنت أخي ما أطلعت الله عزوجل، إن نوحاً عليه السلام قال: ربّ إنّ ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. فقال الله عزوجل: يا نوح إنه ليس من اهلك إنه عمل غير صالح فأخرجه الله عزوجل من أن يكون من أهله بمعصيته[1].
2. ليس بين الله وبين أحد قرابة
وروى في العيون أيضاً بسنده عن ابراهيم بن محمد الهمداني، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: من أحبّ عاصياً فهو عاص ومن أحبّ مطيعاً فهو مطيع، ومن أعان ظالماً فهو ظالم ومن خذل عادلاً فهو ظالم؛ انه ليس
بين الله وبين أحد قرابة ولا ينال أحد ولاية الله إلاّ بالطاعة ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لبني عبدالمطلب ايتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾[2].
3. خير منّي من كان أتقى لله وأطوع
وروى أيضاً عن الحاكم الحسين بن احمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدّثني أبوعبدالله محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: سمعت أبي يقول: قال رجل للرضا (عليه السلام): والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً. فقال التّقوى شرّفهم وطاعة الله أحظتهم. فقال له آخر: أنت والله خير الناس.
فقال له: لا تحلف يا هذا، خير منّي من كان أتقى الله تعالى وأطوع له والله ما نُسخت هذه الآية: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ[3].
4. العفو عن محمد بن خالد
روى العياشي عن صفوان قال: أستأذنت لمحمد بن خالد على الرضا (عليه السلام) أبي الحسن وأخبرته أنه ليس بقول بهذا القول، وأنه قال: والله لا أريد بلقاءه إلاّ لأنتهي إلى قوله.
فقال: أدخله، فدخل، فقال له: جعلت فداك إنه كان فرط منّي شيء وأسرفت على نفسي، وكان فيما يزعمون أنه كان يعيبهُ. فقال: وأنا أستغفر الله ممّا كان منّي؛ فأحبُّ أن تقبل عذري وتغفر لي ما كان منّي، فقال: نعم أقبل، إن لم أقبل كان إبطال مايقول هذا وأصحابه ـ وأشار إليّ بيده ـ ومصداق ما يقول الآخرون يعني المخالفين، قال الله لنبيّه عليه وآله السلام: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، ثم سأله عن أبيه فأخبره أنه قد مضى واستغفر له»[4]
ولا شك ان المقصود من قول الإمام إن لم أقبل كان إبطال مايقول هذا وأصحابه، اي قول صفوان واصحابه في حق الإمام بأنه صاحب حلم وعفو و... بحيث لو لم يعفه الامام لقال المخالفون فأين خلق الإمام لماذا لم يعفو عن محمد بن خالد وقد قدّم عذره إليه وطلب منه العفو.
5. هات اسمه ودع عنك هذا
روى الصدوق في العيون عن البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني عمي قال سمعت
الرضا (عليه السلام) يوماً ينشد وقليلاً ما كان ينشد شعراً:
كلنّا نأمل مداً في الأجل
والمنايا هُنّ آفات الأمل
لا تغرنّك أباطيل المنى
والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدّنيا كظلٍ زائل
حلّ فيه راكب ثم رحل
فقلت لمن هذا أعزّ الله الأمير؟ فقال لعراقي لكم. قلت أنشدنيه أبوالعتاهية لنفسه. فقال: هات اسمه ودع عنك هذا، إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ولاتنابزوا بالألقاب ولعلّ الرجل يكره هذا[5].
6. أحسن الظن بالله
روى الكليني عن سهل عن عبيدالله عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة. فقلت له: جعلت فداك إنّا كنّا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغيير فادع الله عزوجل أن يردّ ذلك إلينا، فقال أيّ شيء تريدون تكونون ملكاً؟ أيسرّك أن تكون مثل طاهر وهرثمة[6]. وانك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت لا والله ما يسرّني أن لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وأني على خلاف ما أنا عليه.
قال: فقال: فمن أيسر منكم فليشكر الله، إن الله عزوجل يقول لئن شكرتم لأزيدنكم وقال سبحانه وتعالى: اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور، وأحسنوا الظن بالله. فإن أبا عبدالله (عليه السلام) كان يقول: مَن حَسُنَ ظنّه بالله كان الله عند ظنّه به ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته وتنعّم
أهله وبَصَّره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام. ثم قال: ما فعل ابن قياما. قال: قلت والله إنه ليلقانا فيحسن اللقاء. فقال: وأيّ شيء يمنعه من ذلك ثم تلا هذه الآية: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ ان تقطع قلوبهم.
قال: ثم قال: تدري لأيّ شيء تحيّر ابن قياما؟[7]
قال: قلت لا، قال: إنه تبع أبا الحسن (عليه السلام) فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النبي صلى الله عليه وآله، فالتفت إليه أبو الحسن (عليه السلام) فقال: ماتريد حيّرك الله، ثم قال: أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا: لو نصبته لنا فاتبعناه وأقصصنا أثره، أهم كانوا أصوب قولاً أو من قال: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى.
قال: قلت: لا بل من قال: نصبته لنا فتبعناه واقصصناه أثره.
قال: فقال: من ها هنا أتى ابن قياما ومن قال بقوله.
قال: ثم ذكر ابن السراج فقال: إنه قد أقّر بموت أبي الحسن وذلك أنه أوصى عند موته فقال: كلّ ما خلّفت من شىء حتى قميصي هذا الذي في عنقي لورثة أبي الحسن (عليه السلام) ولم يقل هو لأبي الحسن (عليه السلام). وهذا إقرار ولكن أيّ شيء ينفعه من ذلك وممّا قال ثم أمسك[8] .
السيرة القرآنية للامام الرضا - محمد جواد الطبسى
[1] عيون اخبار الرضا ج 2 ص 234.
[2] سورة المؤمنون اية 101.
[3] نفس المصدر ص 236.
[4] سورة آل عمران اية 159.
[5] عيون اخبار الرضا ج 2 س 177.
[6] امّا طاهر فهو طاهر بن الحسين من اكبر قواد المأمون العباسى وكان من اصحاب الرضا كان متشيعاً، وامّا هرثمة هو هرثمة بن اعين كان ايضاً من قواد المأمون وكان معروفاً بالتشيع ومحباً لأهل البيت.
[7] الكافي ج 8 ص 346.
[8] هو الحسين بن قياما رجلاً واقفياً خبيثاً وقيل برجوعه من الوقف.