جاريد كوشنر يتعامل مع القضية الفلسطينية كصفقة عقارية، وكسمسار محترف، يعرف كيف يوزع الرشاوى على كل المشاركين في هذه المؤامرة من العرب خاصة، ولهذا تحدث عن مشاريع استثمارية في الأردن ولبنان ومصر لإغراء حكوماتها بالقبول بهذه الصفقة المؤامرة وتسهيل تطبيقها، مستغلًا أوضاعها المالية الصعبة.
رصد 50 مليارا لهذه المشاريع وعلى مدى عشر سنوات، أمر مهين يظهر مدى تدني قيمة العرب وقضاياهم في نظر الإدارة الأمريكية، وكوشنر ورهطه على وجه الخصوص، ومن المؤلم أن هناك من الحكومات العربية من يؤيد هذه الإهانة، ويقبل بهذا الثمن البخس لأطهر القضايا العربية والإسلامية وأشرفها.
ما يجب أن يدركه كوشنر وكل أصدقائه التجار والسماسرة الذين سيصفقون له، ويناقشون صفقته في المنامة، أن الأوطان لا تباع حتى لو كان الثمن كل مليارات العالم، وأن الازدهار الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق على أيدي من يحاصرون الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ويصادرون حقه في قيام دولته المستقلة، وعودة لاجئيه كلهم إلى مدنهم وقراهم.
الذين يقولون بأن مؤتمر البحرين يقتصر على مناقشة الجانب الاقتصادي من صفقة القرن يمارسون أبشع أنواع الكذب والتضليل، فالهدف الحقيقي من هذا المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى يتمثل في توفير منصة للتطبيع الرسمي بين دول خليجية، والسعودية والإمارات على وجه التحديد، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
من يقفون خلف هذه المؤامرة يطعنون الأمة العربية بخنجر مسموم في الظهر مرتين، الأولى عندما يشرعون التطبيعين السياسي والاقتصادي مع الإسرائيليين، والثانية عندما يوظفون الأموال العربية لتمويل هذه المؤامرة لبيع القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان.
الشعب الفلسطيني لم يشعل فتيل ثورته من أجل تخفيض معدلات البطالة، أو إقامة مشاريع سياحية، أو شق طرق، أو زيادة عمق وطول مساحة الصيد في غزة، وإنما من أجل حق العودة، وتحرير كل ترابه الوطني من البحر إلى النهر، واستعادة السيادة العربية على كل مقدساته، مسيحيةً كانت أو إسلامية.
الحكومات العربية التي أرسلت ممثليها لحضور مؤتمر البحرين شريكةٌ في هذه المؤامرة، وتخفيض مستوى التمثيل لن يبرئها من هذا التواطؤ المؤسف والمخجل، حتى لو زعمت أنها قالت “لا” في أروقته، فمثل هذه المؤامرات لا تستحق إلا المقاطعة والمواجهة والإفشال، والحضور هو العنوان الأبرز للرضا والموافقة.
شكرًا لكل من رفض المشاركة، وأعاد هذه الدعوة المذلة إلى أصحابها، أو حتى رفض استلامها، ونخص بالذكر العراق ولبنان اللذين سارعا منذ اللحظة الأولى بالتعبير عن إدانتهما لهذا المؤتمر وفضح النوايا الحقيقية له.
السيد نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني، عبر عن مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار عربي ومسلم، وتحدث بلسانهم عندما قال “إن لبنان لا يريد استثمارات على حساب القضية الفلسطينية رغم أزمته المالية، فالمليارات من الدولارات لا يمكن أن تغري لبنان على الخضوع أو المقايضة على ثوابت غير قابلة للتصرف، وفي مقدمتها رفض التوطين الذي سيقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة”، والشكر موصول أيضًا لحزب الله، وكل القوى اللبنانية والعربية التي اتخذت الموقف نفسه.
السلطة الفلسطينية في رام الله التي تقول إنها تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وتمثل منظمة التحرير، لا يجب أن تكتفي بالبيانات والشجب ومقاطعة مؤتمر المنامة، ويجب عليها أن تقود انتفاضة شعبية تواجه الاحتلال وتقاوم المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية العربية لتصفية القضية الفلسطينية فمن العار أن تنطلق المظاهرات الغاضبة الرافضة لمؤتمر التصفية في البحرين، في المغرب والجزائر والبحرين واليمن ولبنان والعراق والأردن ومعظم العواصم العربية، بينما يمنع الأمن الفلسطيني أهلنا في الضفة الغربية من التعبير عن حقيقة مشاعرهم، وإيصال صوتهم وموقفهم، ومحاولة تصفية قضيتهم والتعاطي معها كصفقة عقارية، أو رشوة مالية.
نقولها للمرة المليون أن فلسطين ليست للبيع، ولا للمساومة، ونحمد الله أن مؤتمر التصفية انعقد في هذا التوقيت بالذات الذي تتصاعد فيه حدة المواجهة والتوتر بين إيران والولايات المتحدة، حتى تعرف الأمتان العربية والإسلامية من هو العدو ومن هو الصديق، من يدعم الاحتلال والتهويد وتصفية القضية الفلسطينية، ومن يقف في الخندق المقابل للمتآمرين ويتصدى لمؤامرات التصفية هذه.
إنها الهدية الأضخم لمحور المقاومة وفي هذا التوقيت بالذات “ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكين” صدق الله العظيم.
“رأي اليوم”