تبيّن أن هذا التعبير محصور بشركات مرخّص لها من وزارة الاتصالات وعددها يفوق 120 شركة تستأجر سعات دولية من وزارة الاتصالات، إلا أنها توزّع الإنترنت عبر شبكة غير شرعية ولا تصرّح للوزارة عن عدد زبائنها، ولا تدفع الرسوم المستحقة عليها والمقدرة بنحو 32.2 مليون دولار سنوياً.
هذه المبالغ تذهب إلى جيوب الشركات وتشكّل منافسة سوقية غير عادلة منذ سنوات، تتلكأ وزارة الاتصالات عن مكافحة ظاهرة الإنترنت غير الشرعي. في السنوات الماضية كان الحديث عن هذه الظاهرة محصوراً بشركات مرخّص لها من وزارة الاتصالات تستقدم سعات دولية من الخارج بنحو غير شرعي، إلا أن الأمر انكشف ثم طُمست وقائعه. أما اليوم، فبات المقصود بالإنترنت غير الشرعي، الشركات نفسها المرخص لها من الوزارة وتتهرّب من التصريح عن الزبائن وتسديد الرسوم المستحقة عنهم والمقدرة بنحو 32.2 مليون دولار.
بحسب التقديرات الرسمية التي أفرج عنها المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات باسل الأيوبي في اجتماع عقد أمس في وزارة الاتصالات لدرس آليات مكافحة هذه الظاهرة، هناك أكثر من 450 ألف مشترك يحصلون على الإنترنت عبر شبكات غير شرعية، ما يتيح للشركات التي توزّع عليهم الإنترنت التهرّب من تسديد 9000 ليرة وسطياً عن كل مشترك شهرياً، أي ما يوازي 4 مليارات ليرة شهرياً أو 48.6 مليار ليرة سنوياً (32.2 مليون دولار).
هذا الرقم يتوزّع على أكثر من 120 شركة رخّصت وزارة الاتصالات لغالبيتها العمل في توزيع الإنترنت أيام الوزير السابق بطرس حرب والمدير العام السابق للاستثمار والصيانة عبد المنعم يوسف. لكن الإحصاءات تشير إلى أن الحصّة الأكبر تتوزّع على ستّ شركات تستأجر سعات من الدولة بما يوازي 50 جيغابيت/ ثانية، أي ما يعادل استهلاك 175 ألف مشترك. كذلك تشير الإحصاءات إلى أن 15 شركة تستأجر سعات دولية تفوق 1 جيغابيت/ ثانية لكل منها، أصغرها (إيكونت وماتريكس) ويصل أكبرها (غلوبال فيجين) إلى 18 جيغابيت/ ثانية. مجمل السعات التي تستأجرها هذه الشركات من الوزارة يبلغ 60 جيغابيت/ ثانية، أو ما يعادل 235 ألف مشترك، أي ما تقدَّر قيمته بنحو 2.1 مليار ليرة شهرياً (1.4 مليون دولار)، بينما هي تصرّح عن 370 مشتركاً فقط.
في المقابل، هناك خمس شركات مرخّص لها من وزارة الاتصالات وتصرّح عن زبائنها للوزارة وتدفع الرسوم المستحقة عن مشتركيها. وهذه الشركات تستأجر من الوزارة بنحو 50 جيغابيت/ ثانية وتصرّح عن 90 ألف مشترك وتدفع رسوماً تفوق 9.2 مليارات ليرة سنوياً.
وبحسب مشاركين في الاجتماع الذي عقد أمس، فقد اتُّفق على تغريم الشركات المخالفة ومنحها مهلة لربط المشتركين على الشبكة الرسمية، وتدفيعها الرسوم عن المشتركين وفق التقديرات الرسمية المحتسبة على أساس معدلات المشتركين السوقية قياساً على كل جيغابيت/ ثانية.
اللافت أنه في السنوات الماضية لم تكن وزارة الاتصالات تقدّم أي مبرّر لعدم مكافحة هذه الظاهرة، بل كانت تغضّ النظر، عمداً أو إهمالاً، عن تهريب السعات الدولية من الخارج وعن عدم التصريح عن الزبائن، رغم أنها رخّصت للشركات التي هرّبت السعات الدولية وتهرّبت من التصريح عن الزبائن. الذريعة التي استخدمتها الوزارة منذ ذلك الوقت إلى اليوم، أنها لا تملك القدرة التقنية على مراقبة وضبط القطاع غير الشرعي. وهي بذلك تجاهلت تطبيق المرسوم 956 الذي يفرض عليها مراقبة ضبط هذا القطاع عبر ثلاث نقاط أساسية:
- لا يحق لمزودي خدمة الإنترنت إعادة بيع السعات المستأجرة من الوزارة إلى أي طرف ثالث موزع للخدمات تحت طائلة دفع غرامة تحددها الوزارة في قرار تأجير الخطوط، وذلك وفقاً للمادة 289 من المرسوم الاشتراعي 126 تاريخ 1959/6/12.
- يتعهد مزود خدمة الإنترنت بتوزيع خدماته عبر شبكة مرخصة قانوناً وتخضع لمعايير تقنية تضعها الوزارة، تحت طائلة دفع غرامة أو إلغاء قرار السعات.
- يقدم مزود خدمة الإنترنت ISP إلى الوزارة كشفاً فصلياً بالفواتير المسدّدة إلى مزوّدي خدمة نقل المعلومات DSP من ضمن إجراءات رقابية control procedure تضعها الوزارة.
وتقول المصادر إنه من دون أي استثناء، تعمد جميع شركات توزيع الإنترنت إلى مخالفة الفقرة الأولى المتعلق بإعادة بيع السعات لطرف ثالث، ما يجعلها تتهرّب عن عدد محدود من الزبائن، لكن الشركات المرخصة حديثاً (منذ 2014) هي وحدها تخالف الفقرتين الثانية والثالثة بشكل كامل.
450 ألف مشترك يحصلون على الإنترنت عبر شبكات غير شرعية
في الواقع، إن مسألة ربط المشتركين بالشبكة الشرعية تنطوي على أبعاد سوقية أكبر مما تبدو عليه. تقول مصادر الشركات: صحيح أن الشركات التي تصرّح عن الزبائن تتكبّد أكلافاً ليست موجودة في ميزانيات الشركات التي لا تصرّح عن الزبائن وتستعمل شبكة غير شرعية لتوزيع الإنترنت (غالبيتها شبكات ممددة في الهواء وعلى الأعمدة)، وبالتالي إن وقف ظاهرة استعمال الشبكة غير الشرعية سيؤمن المنافسة بين هذه الشركات، إلا أن جوهر المسألة مرتبط أيضاً بالصراع على الحصص السوقية لخدمة توزيع الإنترنت والخدمات الإضافية التي ستكون متاحة مع إنجاز شبكة الفايبر أوبتيك. هذه الشبكة، التي لا تزال قيد التنفيذ حالياً، تتيح نقل الصوت والصورة والداتا. ثلاث خدمات بالحدّ الأدنى يمكنها أن تشكّل فرقاً كبيراً في أرباح الشركات. الجهة، أو الشركة التي تسبق غيرها في استعمال شبكة الفايبر أوبتيك، سيكون بمقدورها التنافس على الحصّة السوقية الأوسع.
وبحسب هذه المصادر، إن وقف ظاهرة الشبكات غير الشرعية والتصريح عن الزبائن للدولة، هو أولّ الغيث، وستليه حتماً عمليات اندماج واستحواذ بين الشركات من أجل تجميع قدراتها الاستثمارية للمنافسة مع أوجيرو. وهذا الأمر قد بدأ فعلاً مع استحواذ شركة ترايسات على 70% من أسهم غلوبال فيجن وإبداء استعدادها في الاجتماع الذي عُقد أمس في وزارة الاتصالات لشرعنة شبكتها والتصريح عن الزبائن، فضلاً عن شرائها شركات أخرى صغيرة الحجم. كذلك يظهر هذا الأمر بوضوح في التحضيرات التي تقوم بها شركة IDM من أجل بدء تقديم خدمات الصورة (تأمين خدمة بثّ محطات التلفزة للمشتركين عبر شبكة الاتصالات الرسمية) بالاتفاق مع شركة سما (مملوكة من الجهة نفسها التي تملك ترايسات) التي تملك حقوق بثّ محطات BEIN وشركات أخرى تملك حقوق نقل تلفزيونية.
بمعنى آخر، إن الشركات تتطلع على المنافسة الأوسع، ما يجعل المنافسة أكيدة على شبكة الفايبر أوبتيك. عند هذه النقطة تبدو «أوجيرو» قوية من جهة وضعيفة من جهة ثانية. فهي تملك الحصّة السوقية الأكبر في سوق الإنترنت والبالغة 67% من مجمل المشتركين المربوطين على الشبكة الشرعية والمقدّر عددهم بنحو 370 ألف مشترك، وهي الجهة التي تشرف على تنفيذ مدّ شبكة الفايبر أوبتيك، لكن تعرفاتها مقيّدة بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء تجعل أسعارها أعلى من أسعار الشركات في القطاع الخاص بنحو 30%.
المصدر: جريدة الأخبار