ويضيف الكاتب وهو أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة كولورادو ستيت ، أنه سواء كان الخبراء يعزون ذلك الاضمحلال إلى خلل تعاني منه الولايات المتحدة في داخلها أو إلى بروز الصين والقوى الصاعدة الأخرى فإن المراقبين يميلون للاعتقاد بأن "لحظة القطب الواحد" ستفسح المجال لنظام عالمي تسود فيه أكثر من قوة كبرى واحدة.
ويشير الكاتب في استهلال مقاله الذي جاء بعنوان "متى ينقطع دابر عالم القطب الواحد؟" إلى أنه ما من أحد يعرف على وجه اليقين متى سيأفل عالم القطب الواحد، وما الذي ستستغرقه قوة عالمية أخرى من زمن لتضاهي الولايات المتحدة أو تتجاوزها من حيث القوة والمنعة؟
واستدرك قائلا إن العالم الأحادي القطب ليس أحد إفرازات الإنفاق العسكري فحسب، بل يحدده كذلك توزيع جغرافي للسلطة والنفوذ، وإن كلا التعريفين متلازم على أي حال.
ويضيف الكاتب أن القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية تتيحان للولايات المتحدة تحمل أعباء التزاماتها الرئيسية في الخارج، لكن ما يمنحها صفة الدولة المهيمنة ليست القوة المادية في المطلق، بل إن ما يهم أكثر من أي شيء آخر هو انتشار جيشها بالخارج وسطوتها السياسية.
ويعتبر الكاتب أنه لفهم أفضل لأهمية الركائز الجيوسياسية التي تستند إليها "لحظة القطب الواحد" فإنه من المفيد معرفة كيفية نهوض نظام القطب الواحد من ركام النظام الثنائي القطب الذي اتسمت به حقبة الحرب الباردة.
لكن ما الذي تسبب في قطع دابر نظام ثنائي القطب؟ هل كان السبب هو انسحاب الاتحاد السوفياتي من شرق أوروبا، أم انهيار دولة الاتحاد السوفياتي كليا، أم تفكك حلف وارسو، أو التحول في توجهات وأولويات القادة السوفيات ومن بعدهم الروس، أم شيء آخر؟
وينقل هاريس في مقاله عن العالم السياسي هاريسون واغنر القول إن مصطلح ثنائي القطب لم يكن المقصود به قط مجرد وجود قوتين عظميين في السياسة العالمية، أو حجم ترسانتيهما النوويتين، أو عدد الحلفاء الذين يتباهى كل منهما بهم.
إن السمة المميزة لمبدأ توزيع السلطة في حقبة الحرب الباردة -بحسب واغنر- تمثلت في أن "دولة واحدة هي الاتحاد السوفياتي احتلت في زمن السلم مكانة لم يتأت للدول في الماضي أن تبلغها إلا بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية".
عالم القطب الواحد لن ينتهي إلا عندما تخسر الولايات المتحدة فعليا وضعها كقوة مهيمنة تقريبا في أوروبا أو شرق آسيا (الأوروبية)
وبعبارة أخرى، لقد كان النظام ثنائي القطب إبان الحرب الباردة صراعا مستمرا شنته كتلة الدول الغربية درءا للهيمنة السوفياتية المطلقة على مناطق جغرافية بعينها، وتحديدا في أوروبا وشرق آسيا.
ويضيف أن عصر الثنائية القطبية انتهى عندما لم تعد موسكو تشكل تهديدا لأمن تلك المناطق نظرا للتحولات التي حدثت داخل الاتحاد السوفياتي حينذاك.
وإذا كان نظام القطبين في حقبة الحرب الباردة قد تميز بالتنافس على السيادة في أوروبا وشرق آسيا، وحينئذ كان التنافس قد توقف عندما لم يعد الاتحاد السوفياتي يهدد تلك المناطق فإن نظام القطب الواحد الذي جاء بعده يتألف هو الآخر من مجموعة من الظروف الجيوسياسية.
إن اعتبار أحادي القطب شكلا من أشكال الجغرافيا السياسية ربما يساعد في معرفة متى ستكتب نهاية عالم القطب الواحد، فمثلما انتهى نظام القطبين بسحب الاتحاد السوفياتي قواته من أوروبا الشرقية والكف عن وجودها العسكري في شرق آسيا فإن عالم القطب الواحد سينهار هو الآخر عندما لا تعود المؤسسة العسكرية الأميركية قادرة على بسط هيمنتها على خاصرتين مهمتين في منطقة أوراسيا، هما: شبه الجزيرة الأوروبية والدول البحرية في شرق آسيا.
ويخلص الكاتب إلى أن عالم القطب الواحد لن ينتهي إلا عندما تخسر الولايات المتحدة فعليا وضعها كقوة مهيمنة تقريبا في أوروبا أو شرق آسيا.
ويشير إلى أنه لن يكون كافيا للصين أو روسيا التفوق على الولايات المتحدة على الورق، إذ يتعين أن تنقلب الظروف الجيوسياسية على الأرض رأسا على عقب، ولعل أحد السبل لتحقيق ذلك هو أن يمارس خصومها الدوليون ضغوطا عليها.
أما السبيل الآخر فهو أن تقتصد الولايات المتحدة في الإنفاق لأسباب تخصها هي، ولعل ما تنبأ به المعلق السياسي الأميركي تشارلز كروثامر أن عالم القطب الواحد قد يزول في ظل وجود قوى انعزالية داخل الولايات المتحدة تدفع نحو وضع حد لارتباطات أميركا الخارجية .
خلاصة القول إن لحظة القطب الواحد -بحسب مقال بيتر هاريس- لم تنته بعد رغم أن أفولها بات وشيكا.
ويختم الكاتب بالتشديد على أن السؤال المهم الذي يطرحه محللو السياسة الخارجية اليوم لا يتعلق بأي نوع من النظام العالمي سينبثق ما إن ينقطع دابر نظام القطبين، بل بالمدة الزمنية التي سيستغرقها نظام القطب الواحد قبل أن ينهار بدوره.