مع إطلالة شهر رمضان المبارك، تحرص أم علي على ما يزين مائدتها الرمضانية ويذكرها بأجواء مدينتها النجف (جنوب بغداد) التي غادرتها منذ عقدين لتستقر في كوبنهاغن عاصمة الدانمارك.
النجف يميزها أشياء كثيرة ليس فقط آثارها وتاريخها، ففي جانب المأكولات هناك حلاوة الدهين، وطبق الفسنجون، والمخللات التي أصبحت شهرتها تطوف العالم لتصبح علامة مسجلة باسم "طرشي النجف"، الذي يعد من أطباق المقبلات الأكثر استهلاكا من قبل العائلات العراقية وخاصة في رمضان.
طرشي النجف
وتقول أم علي في حديث للجزيرة نت عبر الهاتف إنها عندما قدمت إلى الدانمارك أخذت تبحث كثيرا عن المخللات النجفية وخاصة في شهر رمضان، حتى وجدتها في متاجر لعراقيين.
وتضيف أن هناك نوعين من طرشي النجف، أحدهما معلب وجاهز للبيع، وهو ليس بمستوى المذاق الأصيل الذي يذكر بالنجف، أما الآخر فهو من يقوم متخصصون بصناعته بطريقة تقليدية ويذكر بالأصالة.
محل يعرض مخللات من بينها طرشي النجف
أسرار وخفايا
تكاد لا تخلو أي محافظة عراقية من "طرشي النجف"، غير أن لصناعته أسرارا يكشفها مجيد الحبوبي، أحد من يتقن إعدادها، إذ يقول إن السر في طرشي النجف يكمن في مدة الإعداد وخاصة صناعة الخل، وهو المادة الأساس في الطرشي والتي تحضر في النجف عادة من تخمير عصير التمر لمدة طويلة تصل إلى أكثر من أربعين يوما، والتي تعطي الطعم المميز للمخلل.
وتبدأ الخطوة الثانية بإعداد الخضروات والفواكه المستخدمة في الطرشي، وهي الخيار، والفلفل، والفليفلة، والكوجة (البرقوق)، والتفاح، والباذنجان، والشلغم، والشونذر، ودوار الشمس الدرني، والزيتون، والثوم، والقرنابيط، والفقوس، والتي توضع في براميل بلاستيكية كبيرة بها ماء وملح، وتبقى لعشرين يوما، ثم تغسل بالماء العذب وتصفى وتقطع ويضاف لها الخل الذي يكون بأنواع "الحامض المأخوذ من سطح براميل الخل، والحامض الحلو الذي يكون من الوسط، والمدبس والمعروف بالنجف وهو من الخلّة أي ثخين ويكون من قاع البراميل (الوشالة)، وهو ذو طعم حلو جدا وتضاف له أنواع من البهارات والمطيبات".
مخلل من الفلفل الحار
التميّز
من جهته يقول حسن المحنه، وهو خبير بهذه الصناعة، إن الطعم المميز يكون بقِدم الخل المستخدم، أي التخمير بالتقادم بوجود مادة "الدهلة"، وهي بقايا الخل القديم لسنين عدة، وذلك أيضا ما يميز طرشي النجف عن غيره.
وعن أسعار طرشي النجف، بيّن المحنه أن الكيلوغرام الواحد يتوفر بالأسواق بسعر بين 4 و7 دولارات حسب الجودة.
ولفت إلى أنه قد تجد حاليا مخللا مشابها للطرشي، لكن ما ينتج ليس بجودة ما يعمله "الطرشجية" (صانعو المخلل القدامى) الذين يشتغلون بأيديهم.
وأفاد بأن البعض قد يغش في صنع المخللات من خلال سلق الخضروات والفواكه بهدف تعجيل عملية إنضاج الطرشي وتخميره، وهذا ما يقلل من تميز مذاقه.
يروج الطرشي في رمضان بسبب إقبال العراقيين عليه
طرشي رمضان
وتقول أجيال الصالحي، وهي من سكان بغداد، إن لطرشي النجف المدبس مذاقا مميزا في شهر رمضان المبارك خاصة، إذ إن المائدة الرمضانية لا تخلو منه عند محبيه من العائلات.
وتضيف أنها عند قدومها للنجف تنتهز الفرصة لتأخذ منه كميات وتخزنها وتهدي منه لمعارفها.
من جهته، يقول فؤاد حمزة، وهو من سكان النجف، إنه معتاد على تناول طرشي النجف في رمضان لمذاقه المميز وللذكريات التي اختزنها منذ الصغر عنه، مشيرا إلى أن والدته المتوفاة كانت تعمل الطرشي في البيت ويوضع على موائد رمضان مثلما تفعل العائلات النجفية.
يذكر أن مدينة النجف العراقية احتوت على أقدم من يعملون بهذه الصناعة، وخاصة عائلة الحبوبي الشهيرة، التي توارث أبناؤها جيلا بعد جيل هذه الصناعة، وعائلة المحنه وغيرها من العائلات التي ما زالت لليوم تحتفظ بأسرار هذه المهنة ويورثونها.