اسبوع المساجد.. دور المسجد في المجتمع من وجهة نظر الإمام الخميني (ره)

الثلاثاء 30 إبريل 2019 - 08:53 بتوقيت غرينتش
اسبوع المساجد.. دور المسجد في المجتمع  من وجهة نظر الإمام الخميني (ره)

يقول الإمام الخميني قدس سره: "المسجد هو خندق إسلامي، والمحراب هو محل الحرب، إنهم يريدون أن يأخذوا هذا منكم، بل إن ذلك مقدمة، وإلاّ فاذهبوا وصلوا ما شئتم، إنهم تضرروا من المسجد خلال هاتين السنتين أو الثلاث الأخيرة، إذ أصبح المسجد مكاناً لتجمع الناس، وتثوير الجماهير للانتفاضة ضد الظلم، إنهم يريدون اخذ هذا الخندق منكم"1.

 

إن للمسجد دوراً أساسياً على مستوى المجتمع أيضاً فعبارة "ما لله لله وما لقيصر لقيصر" هي عبارة بعيدة كل البعد عن المفاهيم البديهية في الإسلام، بل هي ترك عملي صريح يأباه الإسلام الذي جاء على التوحيد الفطري والعملي "وأينما تولوا فثمّ وجه الله".

 

فهو المعبود وهو الملك والقاهر والمعين وهو مدبر الأمور...

 

لذلك كان المسجد من اليوم الأول للمجتمع الإسلامي محور الحركة ومنطلق الأعمال.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: مركزاً للحروب، ومركزاً للقضايا الاجتماعية والسياسية، فلم يقتصر دور مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك وكان يبدأ من المسجد متى ما أراد تعبئة الناس وإرسال الجيوش"2.

 

ولنشر هنا إلى بعض هذه الأدوار:

 

الدور الاجتماعي

إن للمسجد دوره الأساسي في تماسك المجتمع وتقوية الروح الاجتماعية فيه، هذا التماسك الذي يعتبر هدفاً مهماً شرعت له بعض التشريعات لتقويته كتشريع التآخي بين المؤمنين وجاءت الكثير من الآداب والسنن لتعلم الإنسان كيف يتعامل مع أخيه الإنسان بشكل يضمن سلامة وقوة هذا التماسك، ودور المسجد في هذا الإطار واضح جداً خصوصاً مع ملاحظة صلاة الجماعة فيه، والتي يعني الالتزام بها اجتماع المؤمنين ثلاث مرات يومياً.

 

وقد وردت بعض الروايات التي تحث على الذهاب إلى المسجد بنية طلب الجماعة، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكَّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث"3.

 

وعندما يصبح من رواد المسجد بأقل من إحدى ثلاث، إما دعاء يدعو به يدخل الله به الجنة، وإما يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل4.

 

الدور التبليغي

إن المسجد هو منبر للعلم والتبليغ والإعلام أيضاً، فمن أراد العلم والتعلم، فعليه أن يصاحب المسجد، ومن أراد الهداية عليه أن يتردد إلى المسجد، ومن أراد التوبة فبابها المسجد، فالمسجد هو تجسيد للرحمة الإلهية التي تغمر المؤمنين في الدنيا وتكون سبباً لحسن العاقبة.

 

وهذا ما أشارت إليه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء"5.

 

وهناك تأكيد في الإسلام على حركة التعلم في المسجد، وقد ورد في الرواية أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خرج فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: "كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم، أرسلت لما أرسلت ثم قعد معهم"6.

 

فيا لها من مجالس علم في بيت الله سبحانه وتعالى يجلس معهم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فمن حق المؤمن أن يطمع بمثل ذلك.

 

وكذلك الإعلام وتوجيه الناس يكون في المساجد هذا ما أراده الإسلام وترجمه الإمام الخميني قدس سره في كلامه حيث قال: "المسجد هو مركز الإعلام والتبليغ"7.

 

ويقول قدس سره: "كان الإعلام الإسلامي ينطلق من المسجد"8.

 

الدور السياسي

يتميز الإسلام بشموليته، فالله تعالى ومن خلال لطفه المطلق أراد تلبية حاجات الإنسان كلها وتأمين متطلباته التشريعية التي تكفل سعادته وحل مشاكله كلها ومن جميع الجهات، فالإسلام لم يأتٍ بتكليف الإصلاح دون أن يعطي دواءه الناجح، بل أعطى الدواء ثم كلف الإنسان باستخدامه، فكمل اللطف وتمت الحجة.

 

ومن هنا نجد أحكام الإسلام التي اهتمت بالمجتمع الإنساني وتوجهاته السياسية من سلم وحرب ومناهج ووسائل وأخلاقيات... فليس غريباً أن نجد المسجد ـ الذي يعبّر عن قلب الإسلام الصافي ـ قد اقتحم السياسة ليضفي عليها هدايته ورونقه الإلهي الخاص.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "المسجد هو مركز التجمعات السياسية"9.

 

فالسياسة في الإسلام لها اهتمامها الخاص وقد كان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الدولة ورأس الهرم في سياسة المجتمع الإسلامي، والتجمعات السياسية هي دور من الأدوار التي كان يؤديها المسجد على امتداد التاريخ.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "لم يقتصر مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك"10.

 

هذا المسجد الذي استطاع أن يغير المعادلات السياسية ويحدث انقلاباً كبيراً على موازين الاستكبار والمستكبرين في هذا العصر من خلال الثورة الإسلامية المباركة في إيران، ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة بقوله: "إن المساجد هي التي حققت النصر لأبناء شعبنا، وهي مراكز حساسة ينبغي بالشعب الاهتمام بها"11.

 

فالمساجد هي حصون الإسلام المنيعة التي وضعها الله تعالى في أرضه والتي ينبغي الاستفادة منها.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "أحيوا الثورة من خلال المساجد، التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة، وأديموا اتقاد الثورة بالشعارات الإسلامية"12.

 

الدور الجهادي

المسجد لم يغب عن الحركة الجهادية أيضاً، حيث كان يعتبر مكان انطلاق الجيوش للذود عن الإسلام وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مركزاً للحروب"13.

 

وهكذا فإن المسجد كان على امتداد العصور محور حركة الإنسان المسلم لينطلق من خلاله إلى عبادة الله تعالى والارتشاف من كأس معنويات الصلاة والدعاء... وليتزود ضمن حلقاته علماً نافعاً يعرف به ربه ويتعلم به تكليفه، وليعيش في زواياه هم الأمة الإسلامية من شوقها إلى غربها، فيشحذ همته لينطلق من هناك سيفاً من سيوف الله تعالى في أرضه.

 

احفظوا المساجد

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيها الشعب احفظوا مساجدكم.. أيها المثقفون احفظوا المساجد، ولا تكونوا مثقفين غربيين.. أيها الحقوقيون احفظوا مساجدكم.."14.

 

إن مهمة حفظ المساجد تقع على عاتق كل فرد من أفراد هذه الأمة، وهذا ما يميز المثقف الإسلامي عن المثقف الغربي، فالمثقف الإسلامي يرى دور المسجد المحوري نتيجة كونه بيت الله تعالى، الذي هو رب كل شيء. وليس المقصود من الحفظ حفظ الحجارة والجدران والأبواب، وإنما حفظ الدور والمحورية والروحية، حتى نصبح أبناء مساجد حقاً قد جبلت روحيته بنفوسنا وأرواحنا وخالطت دماءنا هذا هو واجبنا في هذا العصر. يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا بد لي أن أقول: إن حفظ المساجد هو واجب المسلمين اليوم"15.

 

هذا هو واجبنا الذي يجب أن نلتفت إليه، لأن أي وهن وضعف فيه هو وهن وضعف في خندق أساسي للمجتمع الإسلامي، مما قد يسبب انهيار المجتمع الإسلامي وتراجع الحالة الإسلامية والعياذ بالله، فالبعد عن المساجد هو أساس الوهن!.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم"16.

 

اللهم اجعلنا من أهل المسجد الذين عرفوه وعاشوا فيه بأجسادهم فخالط أرواحهم حتى صاروا مسجداً في كل حركة وسكنة يقومون بها.

---------

1- منهجية الثورة، ص479.

2- منهجية الثورة، ص478.

3-ميزان الحكمة، ج2، ص1259.

4-بحار الأنوار، ج71، ص275.

5-م. ن، ج80، ص351.

6- منية المريد، ص106.

7- كلمات قصار، ص64.

8- منهجية الثورة: ص478.

9- كلمات قصار، ص64.

10- منهجية الثورة الإسلامية، ص478.

11- منهجية الثورة ص478.

12- كلمات قصار، ص65.

13- منهجية الثورة الإسلامية ص478.

14- كلمات قصار، ص64.

15- نفس المصدر، ص64..

16- كلمات قصار ص65.

 

المصدر: شبكة المعارف الاسلامية