عَن أبي قَتادَةَ عَن داوُدِ بنِ سِرحانَ قالَ: كُنّا عِندَ أبي عَبدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلامُ إذ دَخَلَ عَلَيهِ سَديرٌ الصَّيرَفي فَسَلَّمَ وَجَلَسَ فَقالَ لَهُ: يا سَديرُ! ما كَثُرَ مالُ رَجُلٍ قَطُّ اِلَّا عَظُمَتِ الحُجَّةُ لِلَّهِ تَعالى عَلَيهِ، فَإن قَدَرتُم أن تَدفَعوها عَن أنفُسِكُم فَافعَلوا؛ قالَ لَهُ: يَا بنَ رَسولِ اللَّهِ! بِماذا؟ قالَ: بِقَضاءِ حَوائِجِ إخوانِكُم مِن أموالِكُم (1).
"عَن داوُدِ بنِ سِرحانَ قالَ: كُنّا عِندَ أبي عَبدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلامُ إذ دَخَلَ عَلَيهِ سَديرٌ الصَّيرَفي فَسَلَّمَ وَجَلَس."
سند هذه الرواية من الأسانيد الجيدة جداً. طبعاً لم يجرِ توثيق سدير الصيرفي، لكن لا أهميّة لذلك، لأنّه ليس الراوي، فالراوي هو داود بن سرحان، وهو داود الرّقي وهو ثقة، والسند سند جيد. يقول كنّا عند الإمام إذ دخل سدير الصيرفي. وكان سدير الصيرفي من أهل الصيرفة، والصيرفي هو الصرّاف ومن يشتري الدنانير والدراهم وما إلى ذلك ويبيعها، ويفترض أن يكون شخصاً ثرياً. [سلّم وجلس].
"فَقالَ لَهُ يا سَديرُ ما كَثُرَ مالُ رَجُلٍ قَطُّ اِلَّا عَظُمَتِ الحُجَّةُ لِلَّهِ تَعالى عَلَيه"
بمجرّد أن جلس، والظاهر أنّ الإمام قال له من دون مقدّمة ومن دون أن يسأل ذلك المسكين شيئاً أو يقول شيئاً، إلتفت إليه الإمام وقال: يا سدير! كلّ من كثر ماله ازدادت وعظمت حجّة الله عليه، لأنّه «أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ اَلّا يُقارّوا عَلى كِظَّةِ ظالِمٍ وَلا سَغَبِ مَظلوم» (2). أخذ الله تعالى عهداً وميثاقاً من العلماء ـ وليس العلماء بمعنى الفقهاء فقط ـ ومن أهل العلم والمعرفة والنخبة والزبدة في المجتمع بأن لا يصبروا على جوع الجائعين وتخمة المتخمين، بل يجب عليهم أن يعترضوا. عليهم أن يعترضوا إذا وجدوا ظالماً ثرياً متخماً ومظلوماً جائعاً. حسنٌ، هذه حجّة الله بالتالي وهي عهد وميثاق إلهي. هنا يقول الإمام لسدير: إذا كثر مال امرىء عظمت حجّة الله عليه وثقلت وسوف يحتجّ الله تعالى عليه. الشخص الذي لا مال له وضعه حتماً مختلف عن وضع الشخص الذي له أموال، وتترتب على الأخير واجبات.
"فَإن قَدَرتُم أن تَدفَعوها عَن أنفُسِكُم فَافعَلوا"
إن استطعتم أن تبعدوا وتدفعوا عنكم هذه الأموال الكثيرة فافعلوا ذلك. حسنٌ، كيف ندفعها؟ هل نرمي الأموال في الماء أو البحر أو البئر مثلاً؟ أو نسرف في الإنفاق في غير مواضعه من أجل أن نفني الأموال، فننفق إنفاقات غير مبرّرة؟ ليس هذا هو المراد.
"قالَ لَهُ يَا ابنَ رَسولِ اللَّهِ بِماذا؟"
[قال سدير]: كيف ندفع هذه الأموال عن أنفسنا؟
"قالَ بِقَضاءِ حَوائِجِ إخوانِكُم مِن أموالِكُم"
[قال الإمام]: السبيل إلى ذلك أن تنظروا ما هي حوائج إخوانكم في أموالكم فتقضوا تلك الحوائج.
البعض متمكّنون ماليّاً لكنّهم يأتون إلينا ـ لأنّ بيت المال في أيدينا فيطلبون منّا ـ ويقولون مثلاً إنّ فلاناً محتاج فأعطه بعض المال. يا رجل، أنت تمتلك المال فأعطه أنت! فإذا لم تستطع عندذاك تعال إلى بيت المال. أي من الصعب على البعض أن يقتطعوا شيئاً من أموالهم وينفقوه في سبيل الله. يقول الإمام هنا: إبعد هذا المال الفائض الزائد عنك كيفما استطعت. وبالتأكيد، كيفما استطعت بمعنى أن تعطه لإخوانك المحتاجين وتقضي حوائجهم.
الهوامش:
1 ـ أمالي الطوسي، المجلس الحادي عشر، ص 302 .
2 ـ نهج البلاغة، الخطبة رقم 3 .