بيد أن الجزائر التي عاد إليها الرئيس هذه الليلة ليست الجزائر التي عرفها وعرفته طيلة العقدين المنصرمين من حكمه، فقد ضجت ميادينها وشوارعها وحواريها بالمتظاهرين والمحتجين طيلة فترة غيابه.
ولن يكون الاستقبال الذي حظي به الرئيس في مستشفيات جنيف في رحلة الذهاب مثل الاستقبال الذي وجده في شوارع الجزائر، ففي المشافي السويسرية يستقبل الممرضات والأطباء الرئيس بروح الاستشفاء والسعي لتخفيف وضعه الصحي، أما في الجزائر فتلتهب العاصمة رفضا لبقائه في سلطة عرفته خلال أربع ولايات ماضية.
أمام أجنحة الطائرة وهي تمخر نحو بلادها مدارات طويلة، يبدو حجم الحركة والحرية أمامها أوسع مما هو متاح للنخب الجزائرية الآن تجاه أزمة الرئاسة، وعقدة الولاية الخامسة.
سيناريوهات
وتبدو الاحتمالات الأربعة التالية أبرز السيناريوهات المتوقعة بعد عودة الرئيس:
- تمسك الرئيس بوتفليقة بترشحه وسيره قدما في طريق العودة إلى كرسي الرئاسة الذي بات أكثر صعوبة من كرسي المستشفى الذي استقبل الرئيس "المجاهد" بوتفليقة مرات عدة خلال الفترة الأخيرة.
والأكيد أن هذا الخيار سيزيد طين الأزمة السياسية في بلاد المليون شهيد بلة وصعوبة، وسيدفع إلى مواجهات أكثر وأقوى بين رافضي ترشح بوتفليقة والمتشبثين به من قوى الجيش والأمن والنخب السياسية.
- إقالة الحكومة وتأجيل الانتخابات ضمن مسار حوار وطني شامل يدفع القوى الحاكمة إلى ترتيب أوراقها بشكل مدني والعمل على إقامة مجتمع وسلطة ما بعد بوتفليقة ضمن توافقات ذات أبعاد مختلفة، تضمن عدم انزلاق الجزائر إلى مستنقع الفوضى وعدم انزلاق الرئاسة إلى حلف المعارضة.
وقد تحدث بعض وسائل الإعلام الجزائرية عن هذا السيناريو، حيث نقل موقع "دزاير براس" عن مصادر وصفها بالعليمة أن قرارا اتخذ بتنحية رئيس الوزراء، وإجراء تغيير حكومي واسع، وتأجيل الانتخابات المقررة إلى الشهر المقبل. وأكد أن هذه القرارات ستعلن بعد عودة الرئيس من جنيف.
- خروج بوتفليقة من المشهد السياسي وترك الأمور تسير في طريقها نحو الحوار والتفاهم بين القوى السياسية من أجل إعادة ترتيب المشهد السياسي من جديد، وهو خيار غير مستبعد واقعيا، رغم صعوبة إعلانه، نتيجة للأسوار العسكرية والسياسية التي تحيط بالرجل ابن الـ82 ربيعا.
- عودة المؤسسة العسكرية للإمساك المباشر بزمام السلطة مرة أخرى، وقد يحدث هذا الخيار إذا رفض الرئيس سحب ترشحه، وتمسك الجزائريون بمطلب رحيله، وسارت الأمور نحو الفوضى من خلال قوة الصدام بين الشارع وقوى الأمن، حيث تكون حينها الفرصة سانحة للجيش ليتمكن من العودة إلى السلطة بشكل مباشر وفرض فترة انتقالية تنتج حكما آخر بملامح من عهد بوتفليقة.
ومهما يكن من خيار فإن المرجح أن الفاعلين السياسيين والعسكريين أيضا في جزائر اليوم لن يستطيعوا تجاهل أصوات ملايين الجزائريين التي بحت في شوارع كبريات مدن البلاد بحثا عن حياة سياسية جديدة أكثر حيوية وديمقراطية.