هذا النهر الصناعي الذي يوصف بأنه أضخم مشروع لنقل المياه في العالم، تعرض منذ سقوط نظام القذافي إلى سلسلة من أعمال التخريب طالت مضخات حقوله العديدة ومولداتها وأجهزة التحكم، ما اربك بشكل كبير في فترات عديدة تزويد مدن الساحل الكبرى بالمياه المتدفقة عبر أنابيب ضخمة من أعماق الصحراء في أقصى شرق وغرب ليبيا.
وكان جهاز إدارة حقل الحساونة في سهل الجفارة، أحد مراكز النهر الصناعي الأساسية، قد أعلن مؤخرا أن 4 آبار لهذا المشروع العملاق تعرضت للنهب.
وأفاد الجهاز المشرف على عمل النهر الصناعي بأن عدد الآبار التي تم تخريبها والعبث بمحتوياتها وسرقة معداتها بلغ 96 بئرا، ما أدى إلى تعطلها تماما منذ مطلع عام 2017.
وشدد جهاز النهر الصناعي على خطورة "الاعتداءات الإجرامية"، وما صاحبها من تردي الأوضاع الأمنية في منطقة حقول آبار النهر، ما أدى إلى توقف أعمال صيانة المضخات الغاطسة بهذه الآبار لإعادة تشغيلها.
وأكد المشرفون على النهر الصناعي "العظيم" أن الاعتداءات المتكررة على حقول آبار المياه، نجم عنها "عجز في الإمدادات المائية وعدم القدرة على تلبية احتياجات المدن والمشاريع الزراعية بالمياه في المنطقة الغربية والوسطى من البلاد وبشكل منتظم".
وناشد الجهاز جميع الجهات المسؤولة والعسكرية بالدولة بتحمل مسؤوليتها وحماية حقول الآبار للحفاظ على استمرار ضخ المياه وتجنب كارثة انقطاعها.
وفي مناسبة أخرى، وصف الجهاز اعتداءات تعرض لها مسار خط نقل المياه الرئيس لمنظومة النهر القرضابية - السدادة بأنها "ممنهجة" وتهدف إلى تعطيل عمل هذا المشروع الاستراتيجي بالمنطقة الممتدة من السدادة إلى الوشكة.
وكشف الجهاز في هذه المناسبة حدوث تسرب كميات كبيرة من المياه بسبب الاعتداء على هذا الخط للنهر الصناعي، مشيرا كذلك إلى حدوث انحرافات في خط الأنابيب الناقلة للمياه، محذرا في الوقت ذاته من أن استمرار أعمال النهب والتخريب ستتسبب في عجز الجهاز عن إمداد المدن باحتياجاتها من المياه العذبة، ما يعرض الأمن القومي للبلد إلى الخطر.
وبالمناسبة، النهر الصناعي العظيم كما كان يسمى في عهد القذافي هو مشروع ضخم لنقل المياه عبر أنابيب عملاقة تمتد لمسافة نحو 4000 كيلومتر، فيما تجاوزت تكلفته 35 مليار دولار.
حجر الأساس لبناء هذا المشروع المائي العملاق وضع في منطقة السرير في واحة جالو عام 1984، فيما أنجزت مراحله المنظمة في أوقات مختلفة لاحقا.
ويتضمن النهر الصناعي 1300 بئر يصل عمق أغلبها إلى 500 متر، واستعمل في تشييده أكثر من 5 ملايين طن من الإسمنت.
وتنقل هذه المنظومة المركبة التي تغطى معظم التراب الليبي 6 ملايين ونصف المليون متر مكعب من المياه العذبة يوميا إلى المدن الرئيسة الكبرى في البلاد انطلاقا من حقول ضخمة في جنوب شرق وجنوب غرب البلاد.
يذكر أن فكرة النهر الصناعي ظهرت منذ عام 1953، حين اكتشفت شركات التنقيب عن النفط مخزونات هائلة من المياه الجوفية العذبة والنقية في الصحراء الليبية.
وتقول التقارير إن تاريخ هذه المخزونات المائية الكبيرة يعود إلى العصر الهولوسيني، وطرحت فكرة بناء خط من الأنابيب لنقل المياه من الجنوب إلى الشمال عام 1960، ولم يتسن حينها تنفيذ مثل هذا المشروع لأسباب مختلفة.
القذافي لم يأبه بكل التحذيرات التي دفع بها بعض الخبراء من احتمالات وقوع أضرار بيئية، ولم ينصت لآخرين طرحوا مشاريع بديلة لتأمين ليبيا بالمياه عبر تحلية مياه البحر.. إلى غير ذلك، واصبح هذا المشروع أحد اكبر هواجسه، إلى أن أنجز وتدفقت المياه العذبة إلى مدن الساحل الليبي.