هل صحيح...أنه يمكننا رؤية الجن؟!!!

الأحد 30 ديسمبر 2018 - 04:39 بتوقيت غرينتش
هل صحيح...أنه يمكننا رؤية الجن؟!!!

هل يمكن للجن أن يمس الإنسان و هل هو مادة و لذلك يمكن رؤيته؟!! و ألا ينافي ذلك الآية: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾، فهذا نفيٌ قرآنيٌّ واضحٌ وصريحٌ لعدم إمكانية الإنسان رؤية الجِنّ، هذا بالقرآن أمَّا في الرّوايات فهل هناك روايةٌ واحدةٌ صحيحةُ السَّند تدعم هذا القَول؟

الشيخ محمد صنقور

هل يمكن للجن أن يمس الإنسان و هل هو مادة و لذلك يمكن رؤيته؟!! و ألا ينافي ذلك الآية: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾، فهذا نفيٌ قرآنيٌّ واضحٌ وصريحٌ لعدم إمكانية الإنسان رؤية الجِنّ، هذا بالقرآن أمَّا في الرّوايات فهل هناك روايةٌ واحدةٌ صحيحةُ السَّند تدعم هذا القَول؟

أمَّا مسُّ الجِنّ فقد أشارت إليه بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾(3)، وليس معنى المَسّ هو ما يتوهَّمُهُ البعض من دُخول الجَانّ في جسد الإنسان أو سكونِه في رَأسِهِ فإنَّ هذا المعنى خاطئٌ، وقد بَيَّنَّا ذلك في بعض المواضع.

المُراد من المَسّ هو نحو تأثير للشَّيطان أو بعض فسقة الجِنّ على نفسِ الإنسان وعقلِهِ فيترتَّب على ذلك جنونٌ أو صرعٌ أو خبالٌ، وهذا لا يَتَّفِقُ عادةً إلا مع ضعاف العقول أو مَن هُوَ مُبْتَلٍ بعُقَدٍ في نفسه، فتلك تمثل أرضيةً خصبة لمسِّ الشَّيطان والجانّ، لذلك ورد في الرّوايات التّأكيد على الإستعاذة بالله تعالى من تأثير الجِنّ والشّياطين، ولمزيدٍ من التّوضيح راجع تفسير الآية المباركة في الميزان.

وأمَّا رؤية الجِنّ فقلنا بإمكانها تبعًا للمحقّقين من علمائنا كالشَّيخ المُفيد والشَّيخ الطوسي وآخرين، والآيات المباركة التي ذكرت في القرآن و المتعلقة بهذا الصدد فليس شيئًا منها يدلّ على امتناع الرّؤية.

أمَّا قوله تعالى في سورة الجنّ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾(4)، فالفاعل لقوله ﴿اسْتَمَعَ﴾ هو النّفر من الجِنّ وليس النّبي (ص) كما هو واضح بأدنى تأمّل، فليس في الآية ما يدلّ على عدم رؤية النّبي لهم كما أنّها لا تدلّ على رؤيته لهم، فهي غير متصدّية للحديث عن إمكانية الرّؤية أو عدم إمكانيتها ولا على وقوع الرّؤية أو عدم وقوعها.

وهكذا الحال بالنسبة لما ورد في سورة الأحقاف فإنّ الضمير الفاعل في قوله ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ راجعٌ إلى الجِنّ، فالآية تفيد أن نفرًا مِن الجِنّ حضروا في محضر النّبي (ص) واستمعوا إلى للقرآن ثمّ انصرفوا إلى قومهم مُنذرين فلم تتحدّث الآية عن رؤية النّبي (ص) أو عدم رؤيته لهم.

نعم يقع البحث في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾(5)، فقد استَدلَّ بها النَّافون لإمكانية الرّؤية للجنّ إلاّ أن الظَّاهر عدم صلاحيتها لإثبات ذلك، لأنّها تنفي الرؤية ولا تنفي إمكانيتها وفرقٌ بَين الأمرين، فالشّيء قد لا أراه ولكنَّ ذلك لا يعني عدم إمكان رؤيته، ويمكن تأكيد دعوى أن الآية لم تكن بصدد نفي إمكانيّة الرّؤية هو أن نفي الرؤية في الآية المباركة جاء محيَّثًا، أي أنَّهم يرونكم حين إيقاع الوسوسة في نفوسكم بحيث لا ترونهم حينذاك، فيكون مساق الآية هو مساق قولنا: "راقب زيدًا بحيث تراه ولا يراك"، أو قولنا: "كنا في موقع نراكم فيه من حيث لا تروننا".

وكيف كان فمنشأ عدم رؤيتنا للجنّ هو أنَّ أجسامهم شفّافة لطيفة، فلو كانت أبصارنا أكثر ضوءًا وشعاعًا لأمكنت رؤيتهم كما أفاد ذلك الشّيخ الطّوسي (رحمه الله) بمعنى أنّه مِن الممكن أن يمنح اللهُ لبعض النّاس خاصيةً في أبصارهم يتمكنون بها من رؤية الأجسام الشّفافة اللّطيفة كما أنّ من الممكن أن يمنح الله الجِنّ قُدرةً على تكثيف أجسامهم وحينئذٍ يتمكّن الإنسان مِن رؤيتهم كما قوَّى ذلك الشّيخ المُفيد والشّيخ الطُّوسي رحمهما الله تعالى.

وأمّا الرّوايات فقد وردت رواياتٌ عديدةٌ تؤكِّد على وقوع الرّؤية للجنّ مِن قِبَل الإنسان ولكن ليس بصورتهم الأصليَّة وإنَّما بعد أن كثَّف الله أجسامهم، فتكون بحيث من الممكن رؤيتها بالنّظر الاعتيادي.

وقد عقد الكليني بابًا مستقلاًّ في كتابه أصول الكافي تحت عنوان: "إنّ الجِنّ يأتيهم -أي الأئمة- فيسألونهم عن معالم دينهم" وقد صرَّحت مجموعةٌ من هذه الرّوايات برؤية الأئمة وبعض أصحابهم للجنّ الذين يأتون الأئمة (ع).

ولا أجازف حين أدَّعِي استفاضة الرّوايات المُصَرِّحَة برؤية الإنسان للجِنّ، وتجد هذه الرّوايات منثورةً في المجاميع الرّوائية الشيعيَّة وكذلك الأمر في المجاميع الرّوائيَّة السُّنِّيَّة.

الهوامش:

1-الأعراف/27.

2- الجنّ/1.

3-البقرة/275.

4-الجنّ/1.

5- الأعراف/27.

المصدر:مركز الهدى للدراسات الإسلامية