أمل الياسري
كانت أصداء واقعة الطف ثقيلة الوطأ عليها، شاركت أهل البيت الهاشمي (عليهم السلام) العزاء، بعد عودتهم من الشام، فإتئمت بالإمام علي بن الحسين، سيد الساجدين وزين العابدين (عليه السلام)،إثر توليه الإمامة وبايعته، وروت عنه أحاديث كثيرة، إنها السيدة الحبشية الموالية، أم الدهماء من بني كليب بن وبرة، والدة الصحابي والتابعي الجليل، سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، من موالي بني والبة، عاصرت أربعة من أئمة أهل البيت، وهم:(علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام أجمعين).
الموالي هم العبيد أو الرقيق، الذين جلبوا من بلاد أجنبية وخاصة الحبشة، حيث ورثوا لوناً شديد السواد، لأنهم أعتقوا لسمو مكانتهم ووفائهم، وما يبدي عليهم من صفات النجابة، والكرم، والمروءة، والعفة، وبذلك يصبح لهم حق الإقامة، والتوطن في بلاد المسلمين أينما حلوا، لذلك وجدت في بني أسد الوالبية كرامة ما بعدها كرامة، فتزوجها جبير بن هشام الأسدي، وأنجبت شخصاً ألمعياً شريفاً (سعيد بن جبير)،فكان حافظاً للقرآن ومفسراً له، فورث ولدها سيادة قومه، لتواضعه وجميل فضائله.
أم الدهماء كانت شديدة التعلق بولدها سعيد، الذي أوصته بعدم السكوت على الظلم، وتعطيل الدين، لذلك شارك في العديد من الثورات، لنصرة أهل البيت (عليهم السلام) في محنهم ومصائبهم، ودفعت به لدراسة علومهم وبيان أحكامهم، وقد أورد إبن عباس، أنه إذا جاءه أهل الكوفة، يستفتونه بمسائل شرعية يقول لهم: (أليس فيكم إبن أم الدهماء؟!)،وقد حفظت أمه أحاديث كثيرة من ولدها الصحابي، عن والده الذي كان أعلمهم بالقرآن وقتها، حيث روى عن النبي (صلواته تعالى عليه وعلى آله).
لم تذكر الكتب تأريخاً لولادتها ووفاتها، لأن الحجاج الثقفي كان من أشد أعداء ولدها، لقربه من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وحرق كل سيرته ومسيرته، وشهد إستباحة المدينة ورميها بالمنجنيق، وثورة إبن الزبير، وشجع القراء على الثورة ضدهم، وساندت ولدها في دعوته مع التابعين، للثورة على الأمويين، فشاركت معه بواقعة دير الجماجم، التي إستمرت مأئة يوم، وكان شعارها: يا لثارات الصلاة، وعند إستشهاده قال ميمون بن مهران:(لقد مات سعيد بن جبير، وما على الأرض رجل، إلا ويحتاج الى سعيد).
والدة الصحابي سعيد بن جبير، كانت دهماء لشدة سوادها، ولكن بياض مواقفها وإشراقاتها المهيبة، يشع في بطون الكتب، رغم قلة المصادر التأريخية عنها، فهي قد عاصرت أربعة أئمة، من أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، ويكفيها شرفاً أنها شاركت في نصرة المظلوم بكربلاء، دون خوف من حكم الطواغيت، وكأني بها تردد لنساء زمانها:(قضية كربلاء ليست بموت الحسين على الإطلاق، بل إنها قضية الأحياء الباقين، الذين يخافون الجبت والطاغوت)، لذلك الإنتصار على الخوف، هو بداية الحكمة، والحرية، والكرامة.
المصدر:وكالة أنباء براثا