كم لدينا اليوم من ذكريات؟ كم لدينا من قصص؟ كان لدينا مئات الآلاف من المقاتلين، وكل واحد منهم عبارة عن مجموعة من الذكريات. إنّ الذين يفكّرون اليوم في تدوين الذكريات، ذكريات الآباء والأمّهات والأزواج، إنّما يحولون دون وقوع خسائر مهمّة وكبيرة، ولا يسمحون لها بالضياع. إنّها رصيد للشعب ورأس مال ثمين.
حرب الدفاع المقدّس؛ انعكاسٌ للعالم المتوحّش ضدنا
إنّ للدفاع المقدّس أبعاداً مختلفة، أحدها أنّه يرسم صورة موازين القوى في هذا العالم الخاضع للهيمنة، العالم المجنون والمتوحّش والظالم، البعيد عن المعنويّات وعن الإنصاف. لقد خضتم مواجهةً لم يكن فيها (طرفنا) يستطيع شراء أسلاك شائكة، والطرف الآخر كان مزوّداً بأحدث المعدّات الحربية بكميّاتٍ كبيرة، بل كان مسموحاً له استخدام السلاح الكيميائيّ أيضاً.
فضلاً عن الحصار الاقتصاديّ والسياسيّ الذي كان قد أُحكم علينا، كنّا محاصَرين إعلاميّاً وبشدّة أيضاً؛ بمعنى أنّ صوتنا لم يكن ليصل إلى أيّ مكان، وكانت وسائل الإعلام العالميّة في قبضة الصهاينة وتحت تصرّفهم؛ الصهاينة هم العدوّ الحقيقي! ولم يكونوا يناصرون "صدام" فحسب، بل هم يعادون النظام الإسلاميّ، وكانوا يتقوّلون علينا ما استطاعوا، من دون أن يصل صوتنا إلى أيّ مكان. هكذا كانت أوضاعنا.
العالم اليوم، لا يشاهد أمامه هذه الصورة الشفّافة والواضحة والفاضحة لنظام الهيمنة، لماذا؟ هذا تقصيرنا وعلينا أن نبذل مجهودنا في هذا المضمار.
أسلحة فعّالة.. لماذا لا تستثمرونها؟!
يجب علينا في أدبيّاتنا، وفي أفلامنا السينمائيّة، وفي مسرحيّاتنا، وفي قنواتنا التلفزيونيّة، وفي صحافتنا وفي عالمنا الافتراضي، القيام بالكثير من الأعمال التي لم ننجزها بشأن الدفاع المقدّس، ولو أنجزناها من منطلق الالتزام والمسؤوليّة، ولو بمقدار بسيط، لتركت تأثيرها.
يعرضون بعض الأفلام في المهرجانات الغربيّة؛ وهي أقل احتِرافيّة من أفلام أُنتجت حول الدفاع المقدّس أو الثورة، بتشجيعٍ وثناءٍ مبالغٍ فيه، ولكنّهم لا يعرضون فيلماً واحداً عن الدفاع المقدّس؛ لأنّهم يخافون من أن تصل هذه الصورة الفاضحة إلى شعوب العالم، وأن يتأثّر الرأي العام بها. إذاً، فهذا سلاحٌ فعَّال، وهذه إمكانية كبرى في متناول أيدينا، فلِمَ لا نستثمرها؟
فلنطلق نهضةً للترجمة
يجب أن تنطلق نهضة ترجمة الكتابات والأعمال الجيّدة، وهي ليست بالقليلة، تكون ترجمة إلى الخارج، لعرض ما هو موجود لدينا. دَعوهم يعرفون ما الذي حدث في "عبادان"، وما الذي حدث في "خُرّمشهر"، وما الذي حدث في ساحات القتال، وما الذي حدث في القرى والأرياف.
لقد دُوّنت هذه الأحداث، فليطّلع أهل العالم عليها، ولتُترجم إلى العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والأرديّة، وإلى اللغات الحيّة في العالم. دعوا مئات الملايين من الناس يعرفون ما الذي جرى في هذه المنطقة.
يجب أن تتضاعف الأعمال عن أدبيّات الدفاع المقدّس مئةَ ضعف، عندها يمكننا الشعور بالنجاح، ونستطيع أن نحبط مؤامرة الاستكبار الشاملة الهادفة لكي لا يتآزر جميع الغارقين في مستنقع الماديّة والصهاينة؛ لصناعة عالمٍ ماديٍّ صرفٍ يبتعد يوماً بعد يوم عن المسائل المعنويّة. لقد سعى الاستكبار بأجمعه لاقتلاع جذور هذه النبتة التي نمت في الأرض المعنويّة، وبدأت تؤتي أُكلها.
وإلّا.. سيرويها العدوّ كما يحلو له
إن لم تتصدَّوا أنتم اليوم إلى جمع ذكريات الحرب واستثمار هذا الرصيد، سيأخذ العدوّ زمام المبادرة وينزل إلى الساحة بدلاً عنكم. هذا خطرٌ، وأنا أُحذّركم منه. قوموا أنتم الذين كنتم حاضرين في ساحات الحرب برواية الحرب، وإلّا فإن العدوّ سيرويها كما يحلو له، حيث سيستغلّ بعض النقاط، ويبني عليها ما يريد.
أصوات الشهداء تمنح البهجة والشجاعة
ينبغي أن تتجلّى في رواية ذكريات الدفاع المقدّس روح وعظمة رسالة هذا الدفاع. وتلك الروح هي روح الإيمان والإيثار والعشق والجهاد، ورسالة شعبٍ لا يُقهر، ينطلق فتيانه كشبّانه وكرجاله الكبار وكشيوخه إلى الميدان بكلّ شوقٍ ولهفةٍ، ويقاتلون الأعداء، في الوقت الذي يعمد فيه شباب العالم المادّيّ إلى إشباع رغباتهم بأشكال أخرى.
اعلموا أنّ رسالة الشهداء إن بَلَغتْ مسامعنا اليوم أيضاً، ستُبعِد عنّا الخوف والحزن، في حين أنّ أولئك الذين يعانون من الخوف والحزن، لم يتلقّوا هذه الرسالة ولم يسمعوها، وإلّا لو سمعوا أصوات الشهداء، لزال عنهم الحزن والخوف ببركة تلك الأصوات التي تمنح الإنسان البهجة والشجاعة والإقدام.
المصدر:مجلة بقية الله