السؤال: إني مصابة بالوسواس في الطهارة والصلاة وفي غيرهما منذ سنوات ومعاناتي معه طويلة ومضنية وقد حاول أهلي صدي عن الإعتناء بالوسواس بأساليب مختلفة ولكن لم يسعني التخلص منه أرجو من مكتب سيدنا المرجع دام ظله إسعافي في المجال؟
الجواب: إن الوقت لا يتسع لايراد كل ما يمكن قوله في هذا المجال مما يمكن أن يساعد في علاج الوسوسة والحدّ من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حديث شريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم نردفه ببيان بعض النقاط.
أما الحديث فهو ما رواه عبدالله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً مبتلي بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله: وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان.
وأما النقاط التي يهمّنا إيرادها فهي:
١ ـ إنّ مرض الوسواس ليس له علاج ناجع إلا عدم الإعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الأثر عليها لمدّة طويلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض يتوقف العلاج منه علي ممارسة عدم الإعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرين ربما يذهب عنه لو قاومه بعدم الإعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا يذهب عنه الا بعدم الإعتناء مدة طويلة جداً.
٢ ـ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المجال هو أنه كيف يمكن إقناع الوسواسي بعدم الإستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شيطاني؟
والجواب ان الطريق إلي ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه لا يتحمّل إثماً ولا يستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم يعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي يدعو الوسواسي إلي العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله وإستحقاقه العقاب علي ذلك ولكن لو جعلناه يقتنع تماماً بأنه لا يتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الإعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم يصح عمله في الواقع ويكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سيساهم بكل تأكيد في الحدّ من إعتنائه بالوسوسة.
٣ ـ كيف يكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالي إذا لم يعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبني علي الطهارة وتوضأ وصلي وكان في علم الله تعالي بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله يوم القيامة؟
الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الإعتناء بالوسوسة فكيف يعاقبه الله علي ذلك؟!
ولتوضيح الفكرة نقول: إن فتوي الفقيه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم يعاقب يوم القيامة علي مخالفته، مثلاً إذا أفتي الفقيه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف إلي فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلي ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالي لم يعاقب المكلف يوم القيامة علي صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:
يا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوي الفقيه، والفقيه أفتي بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟
ويأتي الجواب: إنك معذور يا عبدي ولا شيء عليك.
وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعية ـ بأن وظيفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء علي طهارة كل ما يشك في طهارته بل حتي لو تأكد من نجاسة شيء ـ علي خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن يبني علي الطهارة.
فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوي الشرعية وبني علي طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتيقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالي وإن كان عمله علي خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.
نتمني أن تقرأي هذا البيان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم علي عدم الإعتناء بالوسوسة بعد اليوم، اعقدي العزم علي عدم غسل ما تتصورين أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم علي البناء علي طهارة كل شيء لم تجدي عين النجاسة فيه بام عينيك.
سيأتي الشيطان ويقول لك: ان وضوءك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و... وقولي في الجواب: فليكن: لا يهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالي وانه لا يعاقبني يوم القيامة في حال من الأحوال.
٤ ـ من الأحكام الفقهية التي ينبغي الإلتفات إليها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس ملاقيه فيما إذا لم تتعدد الوسائط بينه وبين عين النجاسة وإلا فلا يكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت اليد اليمني البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها اليد اليسري مع الرطوبة حكم بنجاستها أيضاً، وكذا إذا لاقي اليد اليسري مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه يحكم بنجاسته ولكن إذا لاقي الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مانعاً أم غيره فهو لا يوجب نجاسته.
و هذا باب ينفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة.
و في الختام أسأل الله تبارك وتعالي لك العافية التامّة والتوفيق لما يحب ويرضي.