السيد جعفر مرتضى العاملي
في حديث ابن عباس: أن المقداد قال لأمير المؤمنين علي عليه السلام : أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئاً.
فخرج أمير المؤمنين (عليهالسلام ) وباع درعه بخمس مائة، ودفع إليه بعضها، وانصرف متحيراً.
فناداه أعرابي: إشتر مني هذه الناقة مؤجلاً.
فاشتراها بمائة، ومضى الأعرابي.
فاستقبله آخر، وقال: بعني هذه بمائة وخمسين درهماً.
فباع.
وصاح: يا حسن ويا حسين، إمضيا في طلب الأعرابي وهو على الباب.
فرآه النبي (صلىاللهعليهوآله ) وهو يتبسم ويقول: يا علي، الأعرابي صاحب الناقة جبرئيل، والمشتري ميكائيل.
يا علي، المائة عن الناقة، والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى المقداد، ثم
تلا:( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) (١) الآية(٢) .
ونقول:
١ ـ إن حديث المقداد هذا هو واقعة أخرى غير ما تقدم من إعطائه الحلة حين احتاج إلى الكسوة، وإعطائه الدينار حين احتاج إليه.
٢ ـ إن لهذه الحادثة رمزية خاصة، من حيث إنها إيثار.
ثم من حيث نوع ما آثره به، وهي درعه التي يفترض أن تحميه من سيوف ونصول وسهام أعدائه، التي يراد لها أن تفتك فيه، وتزهق روحه. فكأنه (عليهالسلام ) جاد له بنفسه.
والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
٣ ـ إن هذا الإخلاص والإيثار استحق أن يجد (عليهالسلام ) التعويض عما أنفقه مادياً ومعنوياً إلى الحد الذي تولت الملائكة فيه التجارة له، ومعه.
٤ ـ إن ما فعله جبرئيل وميكائيل لم يأت في سياق المكافأة. لأن ما يستحقه من ذلك لا يقدر بثمن. بل جاء في سياق إيجاد المخرج من الحيرة. وهذا ينبئ عن أن المكافأة الحقيقية لا مجال لتصورها في أهميتها وعظمتها.
الهوامش:
١- الآية ٢ من سورة الطلاق.
٢- بحار الأنوار ج٤١ ص٣١ عن مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج٢ ص٩١ و ٩٢ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٥٠.
المصدر:الصحيح من سيرة الإمام علي(ع)