الشيخ محمد صنقور
من الشبهات التي طرحت في هذا المجال:
1-يقول البعض إنَّ حديث "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" لا أصل له ولا حجَّة.
2-هل هناك إثباتٌ صحيح السند على نصِّ الصلح المُبرم بين الامام الحسن (ع) ومعاوية؟
3-إنْ كان الإمامُ الحسن (ع) معصوماً فلماذا اختار الصُلح مخالفاً لأبيه (ع) الذي أختار قَبله حرب معاوية؟
4-إنْ كان الإمامُ الحسن (ع) يعتبر معاوية كافراً فكيف يُسلِّمه حكم المسلمين وقد كان جدُّه (ص) يُحاربُ الكفار؟
و في الرد على هذه الشبهات يمكننا القول:
الرد على الشبهة الأولى:
إذا لم يكن هذا الحديث الشريف حجةً عليهم كما يزعمون لعدم وروده من طرقِهم فما عذرُهم في الإعراض عن حديث الثقلين والذي اشتمل على قولِه (ص): "تركتُ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنَّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض" فإنَّ هذا الحديث ورد بطرقٍ كثيرة تبلغُ حدَّ التواتر ، وفيها ما هو صحيحُ السند كالذي رواه الحاكم النيسابوري ووصفَه بأنَّه حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين البخاري ومسلم(1).
وما هو العذر في الإعراض عن آيةِ التطهير وما ورد وفيها من الروايات المُصرِّحة بأنَّها إنَّما نزلتْ في عليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين (ع) وهي رواياتٌ كثيرة واردة من طرقِهم ، وفيها ما تمُّ الإقرار بصحَّته من قِبلِهم ، فقد أوردها مثلُ مسلمٍ في صحيحه، والنيسابوري في المستدرَك على الصحيحين فقد أورد أربعة طرقٍ لهذه الرواية وصفَها جميعاً بالصحيحة ، وأخرجها أكثرُ المحدِّثين من علماء السنَّة كأحمد بن حنبل بطرقٍ عديدة ، والطبراني وابنُ حبَّان في صحيحه وأبو يعلى في مسنده وغيرهم(2).
وما هو العذر في الإعراض عن آية المباهلة وما ورد في الروايات الكثيرة من أنَّها إنَّما نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسنِ والحسين (ع) فقد أوردَها مثلُ مسلمٍ في صحيحه والنيسابوريُّ في مستدرَكِه ووصفَها بالصحيحة ، وغيرُهما كأحمد في المسند والترمذيُّ في السُنن والبيهقيُّ في السُنن الكبرى(3).
وما هو العذر في الإعراض عن حديث السفينة والذي ورد فيه : "إنَّما مثلُ أهل بيتي مثلُ سفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق" وقد وصفه النيسابوريُّ في المستدرَك بالصحيح(4).
فهل مثل هذه الروايات الدامغة وغيرُها كثيرُ ممَّا نحتصُّ بنقله ؟! ، ألم تردْ من طريق إخواننا أهل السنة؟!!
الرد على الشبهة الثانية:
الصلح الذي وقع بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية من الضرورات التاريخيَّة ، فلن تجد مؤرِّخاً ولا محدِّثاً من مؤرِّخي ومحدِّثي المسلمين إلا وهو يذكرُ الصلح ، ويكفي في ذلك ما يرويه محدِّثوهم كالبخاري في صحيحه عن النبيِّ (ص) أنَّه قال في الحسنِ بن عليٍّ: "ابني هذا سيِّدٌ ولعلَّ اللهَ أنْ يُصلح به بين فئتين من المسلمين"(5) فإذا ثبت وقوع الصلح فإنَّ الصلحَ لا يكونُ له معنىً إلا بوجود شروطٍ بين الطرفين، ثم إنَّ مدحَ النبيِّ (ص) للحسن (ع) على إيقاعِه للصلح دليلٌ على صوابيَّة فعلِه.
الرد على الشبهة الثالثة:
الصلحُ والحرب يخضعان للظروف، فقد تقتضي الظروفُ الحربَ ، وقد تقتضي الصلحَ كما وقع ذلك لرسولِ الله (ص) فقد حاربَ المشركين من قريش وصالحهم صُلحَ الحديبيَّة وعاهد اليهودَ من بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة وغيرهم وحاربهم، وكذلك الإمام عليٌّ (ع) حاربَ معاوية ثم قَبِل بالتحكيم بعد رفعِ المصاحف.
فالحربُ والسلمُ أو الصلحُ يخضعان لمقتضياتِ الظروف التي قد تختلفُ من زمنٍ لآخر. راجع ما ذكرناه في فصول من سيرة الإمامِ الحسن (ع) ، وما ذكرناه في صُلح الإمام الحسن (ع) وثورة الحسين (ع) المُنطلق والظروف.
الرد على الشبهة الرابعة:
معاوية لم يكن كافراً بالمعنى الاصطلاحي للكفر، فقد كان معاوية على ظاهر الإسلام، لأنَّه قد نطق بالشهادتين وتظاهر بالصلاة والحجِّ لذلك فهو مسلمٌ ظاهراً، وأمَّا تسليمُ الإمامِ الحسن (ع) الحكم لمعاوية فهذا ليس صحيحاً بالمعنى الدقيق لأنَّ الحكم -بمعنى انبساط اليد- لم يكن مستقرَّاً للأمامِ الحسن (ع).
فالشامات لم تُبايعْ الإمامَ الحسن (ع) من أول الأمر ، ومصرُ أصبحتْ تحت هيمنةِ معاوية قبل الصلح بالقوَّة وكذلك اليمن، وأمَّا البصرةُ فكانت مضطربة ، ، وأمَّا الكوفةُ فقد تقاعستْ عن الإمام الحسن (ع) فكانت كلَّما حثَّها على التعبئة تراختْ ، وقد توالت الخيانات فيها من رؤساء القبائل وقادةِ الجُند حتى أنَّهم دبَّروا لقتل الإمام الحسن (ع) أكثر من مرَّة وطعنوه في فخذه طعنةً منكرة أقعدته في الفراش لأكثر من شهر ، وأبدى بعضُهم لمعاوية إستعدادَه لتسليم الإمامِ الحسن (ع) موثوقاً إذا قرُبت المواجهة ، فذلك ومثلُه هو ما اضطَّر الإمامَ (ع) للصلح.
فالصلح لم يكن عن قناعةٍ بأهليَّة معاوية للحُكم ، وإنَّما نشأ عن إلجاءِ الظروفِ التي لم تترُك اللإمامِ الحسن (ع) خياراً آخر.
المصدر:موقع هدى القرآن الإلكتروني