من وصايا الإمام الخامنئي دام ظله...إسئله ليعطيك!

الخميس 29 نوفمبر 2018 - 12:52 بتوقيت غرينتش
من وصايا الإمام الخامنئي دام ظله...إسئله ليعطيك!

إنَّ العبوديَّة تقع على طرفي النقيض من الأنانية والتكبّر والعجب. ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي لو جعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدِّي ذلك إلى ظهور حالة الطغيان؛ ما يجعله طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا..

إنّ الدعاء يعتبر مظهر العبودية لله تعالى، والهدف منه تقوية صفة العبوديَّة عند الإنسان، وإنَّ الاتّصاف بهذه الصفة، والإحساس بها مقابل الله تعالى، كان هدف جميع أنبياء الله -بدءاً بأوَّلهم وانتهاءاً بآخرهم- ويظهر ذلك من خلال تعاليمهم ومساعيهم. لذا، فإنَّ هدف الأنبياء هو إحياء صفة العبوديَّة عند الإنسان. إنَّ المنبع الرئيسي لجميع الفضائل الإنسانية، والأفعال الحسنة -التي يتمكّن الإنسان من القيام بها، سواء أكان ذلك على المستوى الشخصي، أو الاجتماعي- هو الإحساس بالعبوديَّة لله تعالى. وإنَّ النقيض من ذلك، الشعور بالتكبّر والأنانية والعجب؛ لأنَّ الأنانية هي منشأ جميع الآفات الأخلاقيَّة التي تصيب الإنسان، وما يترتَّب عليها من آثار ونتائج على مستوى السلوك العملي. إنَّ منشأ جميع الحروب والمذابح التي تحدث في العالم، والظلم الذي يقع، والفجائع التي حدثت على مرّ التاريخ، هو الشعور بالأنانية والتكبّر والعجب، الذي يعتبر المنبع الأساسي للفساد والتدهور الموجود في حياة بعض المجتمعات البشريَّة.

العبوديَّة وما يقابلها

إنَّ العبوديَّة تقع على طرفي النقيض من الأنانية والتكبّر والعجب. ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي لو جعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدِّي ذلك إلى ظهور حالة الطغيان؛ ما يجعله طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا -بني الإنسان- يمكن له أن يجعل من نفسه -لا سمح الله- طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشئته وتربيته. إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى، يؤدي إلى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان، فإن كان -هذا التكبّر- على النَّاس، فسيؤدّي إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك، وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي إلى التفريط بالبيئة الطبيعية؛ أي إنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعتبر عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعي للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبّر والأنانية التي نقوم بها إزاء الطبيعة، والدعاء مخالف لكل ذلك. إننا عندما ندعو -ففي الحقيقة- فإننا نقوم بإيجاد حالة الخشوع في أنفسنا، وتحطيم روح التكبّر والأنانية فيها، الذي سيؤدِّي بدوره إلى حفظ عالم الوجود وبيئة الإنسان الحياتية؛ نتيجة لفقدان حالة الطغيان والتجاوز من قِبَل المتكبّرين على حقوق الإنسان والطبيعة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: "الدّعاء مخُّ العبادة".(1)

أهداف العبودية

إنَّ الهدف من العبادة هو: تقوية صفة التسليم عند الإنسان لله تعالى وخشوع القلب مقابل عظمته. وإنَّ هذه الطاعة والخشوع مقابل الله تعالى ليست من قبيل تواضع وخضوع الناس بعضهم لبعض، بل بمعنى التواضع والخضوع مقابل الخير، والجمال، والحسن، والفضل المطلق؛ ولهذا فإنَّ الدعاء، والفرصة التي نحصل عليها للقيام بالدعاء، يعتبران من النِعَم، ففي وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ورد هذا المعنى: "إعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك وتكفّل لإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك"(2).

الدعاء صلة الوصل بالله

إنَّ العلاقة والارتباط بالله التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، "وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه"(3). فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك، في أيِّ وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدَّث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان.

الدعاء رحمة ومعرفة إلهية

إنَّ أهم خواص الدعاء هو الارتباط بالله والإحساس بالعبوديَّة في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعو الله فيستجيب دعوتنا. إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزّ وجلّ، تتحقَّق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نُمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصٍ، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعو به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً. إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة عليهم السلام هو أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجاة الشعبانية، ودعاء أبي حمزة الثمالي -وبقية الأدعية الواردة الأخرى-كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عمَّا يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط بالذات الإلهية المقدّسة. وصيّتي للشباب، الاهتمام بقراءة هذه الأدعية، دعاء كميل نقرأ فيه: "اللهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء" أو "تُنزل النقم"، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا بني الإنسان نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً، تؤدِّي إلى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحياناً تصدر عنّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء. أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: "معرفتي يا مولاي دليل عليك وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي إلى شفاعتك"(4).

إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء. في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة -رغم تعدد واختلاف حوائجه- بل يريد الاستئناس بالقرب من الله، وأحياناً يحتاج إلى رضا الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوعاً من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه. إنَّ الطلب من الله أي شيء وبأي لغة أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبوديَّة. طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة عليهم السلام، وعليكم معرفة أهميتها والاستعانة بها.

الهوامش:

(*) مقتطف من خطبة بتاريخ 19/9/1427هـ.

(1) بحار الأنوار، ج90، ص300.

(2) المصدر السابق، ج4، ص203.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق، ج95، ص83.

المصدر:مجلة بقية الله