وتمتد الخيارات من تبني أكثرها حسما وهو المنسجم مع موقف وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) والإقرار بمسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المباشرة عن مقتل خاشقجي إلى تبني أقلها وطأة وتأثيرا علي ولي العهد السعودي والقبول بالرواية السعودية الرسمية في مسؤولية ضباط ومستشارين لولي العهد عن عملية القتل وتبرئة بن سلمان.
غير أن خلفية العلاقات الحميمة بين ترامب وصهره جاريد كوشنر من جانب ومحمد بن سلمان من جانب آخر، إضافة إلى طبيعة شخصية ترامب التي لا يمكن توقع خطوته التالية، وتطورات القضية في واشنطن خلال الساعات الأخيرة تترك الخيارات مفتوحة على الرغم من استباق الـ"سي آي أي" وتسريب موقفها قبل يومين إلى كبريات وسائل الإعلام العالمية.
ويمثل ضغط الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي ضغطا لا يستهان به في تحديد ترامب لموقفه، ويملك الكونغرس سلطة فرض عقوبات مختلفة على محمد بن سلمان، إلا أن خروج العقوبات مباشرة من البيت الأبيض ستكون لها تداعيات ومعانٍ تمنحها قوة وزحما أكثر.
وقبل الدخول في تفاصيل الخيارات التي يمكن للرئيس الاميركي أن يتخذها تجدر الإشارة إلى اللقاء الذي تحدث فيه ستيفن بانون المستشار السابق لترامب أمام معهد هادسون قبل شهور.
وقد انتقد بانون خلال اللقاء عدم الإشادة بدور الرئيس ترامب فيما حدث في السعودية وإعادة تشكيل هيكل بنيتها الاجتماعية والسياسية منذ زارها في نهاية مايو/أيار 2017.
وقال بانون الذي يدير حاليا موقع بريتبارت الإخباري المحافظ "الإعلام الأميركي يتجاهل الإشادة بما قام ويقوم به ترامب من دعم كامل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وخطواته الجريئة، لا أحد يدعم محمد بن سلمان مثلما يدعمه الرئيس ترامب".
من هنا لم يكن مفاجئا إقدام ترامب علنا على تأييد خطوات بن سلمان عندما ألقى القبض على إثرها على العشرات من كبار منافسيه السياسيين، منهم الأمير متعب بن عبد الله، إضافة إلى أبرز رجال الأعمال السعوديين وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال في مسعى لدعم نفوذه السياسي والحصول على مليارات الدولارات لتساعده في مسعاه المستقبلي المتعلق برؤيته 2030.
وغرد ترامب في حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا إن لديه ثقة كبيرة في الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وأضاف أنهما يعلمان جيدا ما يفعلانه، وأن بعض أولئك الذين يعاملونهم بصرامة كانوا يستنزفون بلدهم لسنوات.
وينتقد كبار أعضاء الكونغرس الرئيس ترامب بسبب دوره الذي سمح بتوغل محمد بن سلمان الذي لا يدرك تعقيدات عملية صنع السياسة الأميركية، ودفعه وشجعه على اقتراف الكثير من الأخطاء السياسية الكبيرة، سواء ما يتعلق بالحرب على اليمن وتبعاتها الإنسانية، أو حصار قطر، أو اعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أو التصعيد وفرض عقوبات على كندا.
وفي السياق، جاء الإعلان عن استقالة كريستين فونتين روز المكلفة بملف دول الخليج الفارسي والسعودية في مجلس الأمن القومي ليشير إلى وجود انقسام داخل إدارة ترامب بشأن الخطوة المقبلة تجاه ولي العهد السعودي.
وتشرف كريستين على ملف العلاقات الأميركية السعودية، وتتبنى موقفا متشددا ضد ولي العهد على خلفية تقديرات الـ"سي آي أي"، إلا أن خروج رئيسها المباشر جون بولتون مستشار الأمن القومي للقول قبل أيام إن ما لدى واشنطن من دلائل لا يشير إلى علاقة لمحمد بن سلمان بعملية قتل خاشقجي دفعها إلى تقديمها استقالتها احتجاجا يوم الجمعة الماضي.
وأشارت نيويورك تايمز إلى وقوع خلاف بين فونتين ورؤسائها في مجلس الأمن القومي بشأن صرامتها حيال السعودية.
من هنا يصعب توقع ما سيقدم ترامب على اتخاذه، خاصة أنه ذكر قبل أسبوعين أنه سيتخذ موقفا قويا خلال أسبوع وهو ما لم يحدث.
ويستغرب الكثيرون قول ترامب إنه لم يطلع بعد على التقييم النهائي للأجهزة الاستخباراتية الأميركية، إذ من المعلوم والمعلن دوريا في جدول لقاءات الرئيس اجتماعه كل صباح مع رئيس أو رئيسة الـ"سي آي أي" لتلقي التقدير الاستخباراتي للقضايا الرئيسية المهمة لبلاده حول العالم، ومن الصعب أن لقاءاته من قادة جهاز الـ"سي آي أي" شبه اليومية لم تتطرق إلى هذه القضية.
الأول: يتبنى فيه الرئيس ترامب موقف الـ"سي آي أي"، ويقر بأن ولي العهد مسؤول مباشر عن عملية القتل، وهنا لا يستطيع ترامب أن يطالب بتنحي ولي العهد علنا لما في ذلك من تدخل مباشر في صنع القرار السعودي، خاصة مع وجود الملك السعودي في سدة الحكم.
وأقصى ما يمكن أن يطالب به ترامب علنا هو السماح بتحقيق دولي على شاكلة التحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وهنا سيحاول الرئيس الأميركي تحقيق توافق دولي على هذا الطرح.
أما خلف الأبواب المغلقة فيمكن أن يطلب ترامب من الملك السعودي تغيير ولي العهد، أو أن يطلب من محمد بن سلمان التنحي مهددا بفرض عقوبات وخيمة عليه.
الثاني: يتبنى فيه ترامب موقف الحكومة السعودية ويقر بأن الجريمة وقعت بعيدا عن ولي العهد، وأن من قام بها هم مسؤولون صغار دون توجيه مباشر من ولي العهد، ويقبل أن تحاكمهم الحكومة السعودية، ويطالب بانتظار نتائج التحقيق النهائية.
وهنا سيواجه ترامب بعاصفة معارضة من كبار قادة الكونغرس والإعلام الأميركي، وسيتبنى الكونغرس من جانبه عقوبات مختلفة، من بينها فرض حظر على تصدير السلاح، والبحث في مشروعات قرارات لمحاسبة السعودية، وسيطلب من ترامب فرض عقوبات على ولي العهد.
وقالت واشنطن بوست إن ستة أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين قدموا مشروع قرار سيطلب من الإدارة الأميركية فرض عقوبات في غضون ثلاثين يوما على "أي مسؤول في الحكومة السعودية أو أحد أفراد العائلة المالكة" وقد تشمل العقوبات حظر الدخول للولايات المتحدة.
ويستطيع الرئيس استخدام حق الفيتو ورفض القرار، إلا أن للكونغرس حق تبني القرار، وأن يصبح قانونا ملزما بعد التصويت عليه مرة أخرى وحصوله على أغلبية ثلثي الأصوات.
الثالث: يقع في منطقة وسط بين الخيارين السابقين، إذ يمكن لترامب أن يتبنى موقفا وسطيا يقر فيه بمسؤولية مسؤولين سعوديين كبار مقربين من محمد بن سلمان دون الإشارة إليه شخصيا.
وسيطلب هنا أن تسمح السعودية بتحقيق دولي خارج الحدود السعودية، حيث إن الجريمة وقعت داخل تركيا، وسيطالب بأن يسمح بالحديث والتحقيق مع المتهمين ممن فرضت عليهم وزارتا الخارجية والخزانة الأميركية عقوبات، ولن يحدث هذا السيناريو دون تنسيق واسع مع ولي العهد السعودي لضمان قبوله هذا البديل.
الرابع: أساسه أن الجريمة حدثت خرقا للقانون الدولي وخارج السعودية، وعليه يجب أن يتم تدويل التحقيقات خارج السعودية، وتتم محاكمة المتهمين الذين تحقق معهم السعودية فقط بواسطة فريق محايد من خارج السعودية.
حديث الصفقات
يكرر الرئيس ترامب مرارا اقتناعه بمبدأ عقد الصفقات، ويرى بعض الخبراء أنه ربما يجري التفاوض الآن على صفقة تحفظ ماء وجهه ولا يضحي فيها بحليفه بن سلمان، وذلك من خلال صفقة تشمل وقف الحرب في اليمن، والضغط على السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتبني وتمويل إعادة إعمار اليمن، إضافة إلى إنهاء الحصار على قطر.
ترامب رئيس لا يعرف ولا يؤمن بالتقاليد والقواعد السياسية، ويصعب توقع ما سيقدم عليه، إلا أن أخطاء حليفه بن سلمان ربما تدفعه لقبول أحد الخيارات المرة.